الإفلات من العقاب في مقابل الحصانة: أفريقيا والمحكمة الجنائية الدولية

نيتسانيت بيلاي، مدير برنامج البحوث والتوعية لأفريقيا، في منظمة العفو الدولية

NetsanetDBelay@

بينما تفتتح المحكمة الجنائية الدولية جمعيتها للدول الأعضاء فيها، وهو الاجتماع الدوري الذي يضم جميع البلدان التي صادقت على ميثاق المحكمة، في لاهاي اليوم، فإنها تفعل ذلك بعدما جلبت على نفسها ضررا بالغا.

وتعرضت المحكمة الجنائية مرة أخرى لازدراء بسبب فشل جنوب أفريقيا هذا الشهر في التعاون بشأن مذكرات الاعتقال في حق أحد أقدم الهاربين من العدالة وهو الرئيس السوداني عمر البشير.

ففي 15 يونيو/حزيران، فشلت جنوب أفريقيا في الامتثال لأمر صادر عن محكمتها العليا بشأن منع البشير من مغادرة البلاد. أصدرت المحكمة هذا الأمر ريثما تقرر ما إذا كانت سترغم الحكومة على الوفاء بالتزاماتها الدولية والدستورية بهدف دعم مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس السوداني، عمر البشير. ويواجه الرئيس السوداني، الذي كان يزور جوهانسبيرغ للمشاركة في قمة الاتحاد الأفريقي، سبع تهم متعلقة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فضلا عن ثلاث تهم بشأن الإبادة في دارفور.

وتنضم جنوب أفريقيا إلى قائمة طويلة من الدول التي فشلت في اعتقال البشير وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية لمواجهة المحاكمة. وكل وقت يحدث فيه ذلك، نكون أمام خيانة أخرى لمئات الآلاف من الضحايا الذين قتلوا خلال النزاع في دارفور.

ما كان في صلب النقاش داخل المحكمة هو هل يجب أن تنتصر الحصانة أم ينتصر الإفلات من العقاب في جنوب أفريقيا

نيتسانيت بيلاي، مدير برنامج البحوث والتوعية لأفريقيا، في منظمة العفو الدولية

لقد كان الفشل الأخير على وجه الخصوص صفعة حادة على وجه العدالة. قبيل انعقاد قمة الاتحاد الأفريقي، اعتقد الكثير من الناس أن البشير لن يجرؤ على المجيء إلى جنوب أفريقيا؛ وهي ليست فقط دولة مؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية وإنما سنت قوانين وطنية قوية إلى حد ما من أجل تطبيق قوانين المحكمة على الصعيد الوطني. لكنه جاء وحظي بالترحيب من قبل مسؤولي حكومة جنوب أفريقيا! وتحسبا لاحتمال حدوث هذا السيناريو، تحرك مركز المنازعات القانونية في جنوب أفريقيا، وهو منظمة بارزة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، بسرعة بهدف جعل المحكمة العليا تأمر باعتقاله وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأصدرت المحكمة بيانا قويا جاء فيه أنه لن يكون هناك إفلات من العقاب بالنسبة إلى الجرائم التي تقع تحت طائلة القانون الدولي. وقد أصدرت المحكمة في البداية أمرا مؤقتا بعدم السماح للبشير بمغادرة جنوب أفريقيا قبل اتخاذ قرار بشأن وضعه في نهاية المطاف. وأوضح القاضي الذي ترأس المحكمة، السيد هانز فابريكيوس، أن جميع الوكالات الحكومية في جنوب أفريقيا مطالبة باتخاذ جميع الخطوات الضرورية لمنع البشير من مغادرة البلد. لكن هذا الأمر لم يُنفذ على الإطلاق.

وفي صباح اليوم التالي، اجتمعت المحكمة لتقرر ما إذا كانت حكومة جنوب أفريقيا مطالبة باعتقال الرئيس البشير وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي الوقت الذي كانت المحكمة تعقد اجتماعها، نشرت وسائل إعلام خبر مغادرة البشير جنوب أفريقيا لكن الحكومة نفت الخبر. وقال مستشار الدولة في رده على أسئلة الصحفيين في المحكمة وهو يخاطب القاضي “على حسب علم الحكومة، فإنه لا يزال في البلد. في بعض الأوقات، يكاد يكون الأمر عبثيا: قد يكون نائما في الفندق أو يكون في السوق للتبضع”.

ما كان في صلب النقاش داخل المحكمة هو هل يجب أن تنتصر الحصانة أم ينتصر الإفلات من العقاب في جنوب أفريقيا. وترى حكومة جنوب أفريقيا أن الحصانة الدبلوماسية التي يحظى بها رئيس دولة لا يزال على رأس ولايته ينبغي أن تُعطى لها الأسبقية على حساب الإفلات من العقاب على جرائم خطيرة مثل الإبادة وجرائم ضد الإنسانية التي تلاحق البشير. لكن القضاء في جنوب أفريقيا كان واضحا وضوحا لا غموض فيه بشأن الالتزام القانوني للحكومة في محاربة الإفلات من العقاب وضمان العدالة بالنسبة إلى الجرائم الدولية حتى لو كان الفاعل ينتمي إلى نادي الرؤساء.

وخلصت المحكمة إلى أن سلوك حكومة جنوب أفريقيا وفشلها في “اتخاذ خطوات للقبض على البشير أو احتجازه يخالف” دستور البلاد. وأكدت المحكمة أيضا التزام جنوب أفريقيا إزاء المحكمة الجنائية الدولية من خلال الإعلان أن الحكومة “ملزمة باتخاذ الخطوات المعقولة استعدادا للقبض على الرئيس البشير…ريثما يصدر طلب رسمي بشأن تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية”.

لكن بعد ثوان من صدور هذا الحكم، غيرت الحكومة موقفها بشكل كامل من الموضوع وأعلنت أن الهارب من وجه العدالة قد غادر حقا البلد. وجوهر القضية أنه في الوقت الذي هُزِمَت فيه مسألة الحصانة في المحكمة، سمحت حكومة جنوب أفريقيا للإفلات من العقاب أن ينتصر.

كانت نهاية القضية مأساوية من عدة جوانب لكنها كانت أيضا انتصارا من جوانب أخرى. أثبتت القضية أن النظام القضائي والمجتمع المدني في جنوب أفريقيا تحملا مسؤوليتهما وآثرا أن يقفا إلى جانب الضحايا ويدعما العدالة الدولية وحكم القانون. مرة أخرى، أي غموض بشأن الالتزام القانوني لجنوب أفريقيا بمحاربة الإفلات من العقاب وضمان العدالة فيما يخص الجرائم الدولية قد أزيل من قبل القضاء.

فيما يخص قضية جنوب أفريقيا، فحتى حكم محكمة وطنية فشل في منع الحكومة من قلب حكم القانون رأس على عقب ورفض الامتثال لمذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. لكن بالرغم من كل شيء، فإن القضية تبعث برسالة قوية مفادها بأننا نحن الأفارقة الذين نقف إلى جانب العدالة، نفعل ذلك على جميع المستويات، وسنواصل القيام بذلك، مهما قد يقول بعض قادتنا السياسيين.

ربما لم تبلغ أفريقيا ككل المرحلة الذهبية من دعم العدالة الدولية. لكن هناك إشارات واعدة على أن الوضع ليس قاتما في كل جوانبه، كما أن منظمة العفو الدولية ستواصل العمل مع المنظمات غير الحكومية والحكومات في مختلف أرجاء القارة الأفريقية من أجل جلب الجناة الذين ارتكبوا أبشع الجرائم حسب القانون الدولي، وأينما كانوا في العالم، ليواجهوا العدالة.