قالت منظمة العفو الدولية، في تقرير جديد صدر اليوم، إن السلطات الإيرانية تتلاعب بقسوة بأرواح سجناء الرأي وغيرهم من السجناء السياسيين، بحرمانهم من الرعاية الطبية الكافية، مما يجعلهم عرضةً لخطر الموت، أو الإصابة بعاهة مستديمة، أو غير ذلك من الأضرار الصحية التي لا يمكن تداركها.
ويعرض التقرير، الصادر بعنوان “احتجاز الصحة كرهينة: الحرمان بقسوة من الرعاية الطبية في سجون إيران”، صورة قاتمة لوضع الرعاية الصحية في سجون البلاد، ويقدم أدلةً قويةً على أن جهاز القضاء، ولاسيما النيابة العامة وإدارات السجون، تمنع الحصول على الرعاية الطبية عمداً، وفي كثير من الحالات يكون ذلك بمثابة قسوة مقصودة بهدف ترهيب السجناء السياسيين أو عقابهم أو إذلالهم، أو انتزاع “اعترافات” أو “إعلانات” بالتوبة” منهم عن طريق الإكراه.
وقال فيليب لوثر، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، “في سجون إيران، عادةً ما تُحتجز الصحة كرهينة على أيدي السلطات، التي تتجاهل دون تقدير للعواقب الاحتياجات الطبية لمن يقبعون في الحجز. ويُعد حرمان السجناء السياسيين من الرعاية الطبية عملاً يتسم بالقسوة ولا يمكن الدفاع عنه مطلقاً”.
يُعد حرمان السجناء السياسيين من الرعاية الطبية عملاً يتسم بالقسوة ولا يمكن الدفاع عنه مطلقاً
فيليب لوثر، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية
ومضى فيليب لوثر يقول: “إن حصول السجناء على الرعاية الطبية هو حق راسخ في القانون الدولي والقانون الإيراني. وعندما يسبب حرمان سجين من الرعاية الطبية ألماً شديداً أو معاناة كبيرة، ويُستخدم عمداً لأغراض من قبيل العقاب أو الترهيب أو انتزاع “اعترافات” بالإكراه، فإنه يشكل نوعاً من التعذيب”.
ويعرض التقرير 18 حالة مروِّعة لسجناء حُرموا من الرعاية الطبية بشكل أو آخر، وهم عرضة لخطر الإصابة بأضرار مستديمة على صحتهم.
سجناء تعرضوا لإنتهاكات صادمة
يقدم التقرير صورةً تبعث على القلق الشديد للنيابة العامة في إيران، والتي تتولى مسؤولية اتخاذ القرارات المتعلقة بالإفراج الطبي المؤقت ونقل السجناء إلى مستشفيات. وكثيراً ما ترفض النيابة العامة منح تصاريح بنقل بعض السجناء إلى مستشفيات، بالرغم من أن الرعاية التي يحتاجونها لا تتوفر في السجن، كما ترفض طلبات الإفراج الطبي المؤقت عن سجناء يعانون من حالات مرضية حرجة، وذلك على خلاف ما يوصي به الأطباء.
وقد خلصت بحوث منظمة العفو الدولية إلى أن مسؤولي السجون أيضاً كانوا في بعض الحالات مسؤولين عن انتهاك حقوق السجناء في الصحة، أو عن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة. ففي عدة حالات، حجب مسؤولو السجون أدويةً عن سجناء سياسيين، أو استخدموا دونما ضرورة وسائل تكبيل مثل أصفاد اليدين أو قيود الساقين مع سجناء سياسيين، على نحو يتعارض مع العلاج الطبي الذي يتلقونه، مما أدى إلى إصابتهم بكدمات في اليدين أو القدمين أو سبب لهم نوعاً من المعاناة أو الإذلال.
كما قال بعض السجناء الذين التقت بهم منظمة العفو الدولية إن أطباء السجون كانوا متواطئين في الانتهاكات في بعض الأحيان. وذكر هؤلاء السجناء أن بعض أطباء السجون دأبوا على التقليل من شأن مشاكلهم الصحية أو تجاهلها باعتبارها مجرد “تلفيقات من وحي خيالهم”، أو كانوا يكتفون بمعالجة حالات خطيرة بأدوية مهدئة أو مسكِّنة للألم.
ويبين التقرير أن السجينات السياسيات، في سجن إفين في طهران على الأقل حيث كل العاملين من الأطباء والممرضين الذكور، يواجهن عقبات إضافية في الحصول على الرعاية الطبية. ففي بعض الحالات، حُرمت سجينات يعانين مشاكل صحية من إجراء فحوص طبية عاجلة أو غير ذلك من العلاج لأنهن يعتبرن من غير الملائم أن يخضعن للعلاج على أيدي أطباء ذكور. كما تعرضت بعض السجينات لافتراءاتٍ جنسية وتحرشات لأنهن لم يلتزمن بالقواعد الصارمة المتعلقة بارتداء الحجاب.
لقد أظهرت السلطات الإيرانية، ولاسيما السلطات القضائية، وحشية شديدة في موقفها من السجناء المرضى، فهي تتلاعب بأرواح أفراد، مخلفةً آثاراً مدمرة ودائمة على صحتهم
فيليب لوثر
وقال فيليب لوثر: “لقد أظهرت السلطات الإيرانية، ولاسيما السلطات القضائية، وحشية شديدة في موقفها من السجناء المرضى، فهي تتلاعب بأرواح أفراد، مخلفةً آثاراً مدمرة ودائمة على صحتهم”.
واستطرد فيليب لوثر قائلاً: يجب على السلطات الإيرانية أن تكف فوراً عن استخدام الحرمان من الرعاية الطبية كشكلٍ من أشكال العقاب والإكراه، كما يجب عليها أن تكفل حصول جميع الأشخاص المحتجزين على الرعاية الطبية الكافية دون تمييز”.
منع العلاج لانتزاع “اعترافات”
زينب جلاليان، سيدة إيرانية كردية تقضي حكماً بالسجن مدى الحياة لما زُعم عن انتمائها إلى جماعة كردية معارضة، وهي معرضة لخطر فقدان البصر بسبب منع العلاج عنها. وتعتقد عائلتها أنها أُصيبت عندما رطم المحققون رأسها في الحائط عدة مرات، مما أدى إلى إصابتها بكسر في الجمجمة ونزيف في الدماغ وعجز في الرؤية. وهي تحتاج بشكل عاجل لعملية في العين، ولكن السلطات رفضت مراراً التصريح بنقلها إلى المستشفى. وقد أخبرها ضباط الاستخبارات أنه يتعين عليها أولاً أن تدلي “باعترافات”.
وفي مقابلة مع منظمة العفو الدولية، قالت دينيز جلاليان، شقيقة زينب: “أخبروها أنها إذا فعلت ذلك فسوف يخفضون مدة عقوبتها وسوف يعرضونها على طبيب”.
وتعليقاً على ذلك، قال فيليب لوثر: “إن جعل الرعاية الطبية مشروطة بالحصول على إعلان “بالتوبة” أو “اعتراف” هو استغلال مخجل للحالة الصحية السيئة للسجين، كما إنه يمثل انتهاكاً صريحاً للحظر المطلق المفروض على التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة”.
الحرمان في الرعاية الطبية المتخصصة في موعدها خارج السجن
أميد كوكبي، سجين رأي يبلغ من العمر 33 عاماً وكان يعمل طبيباً، وهو يقضي حكماً بالسجن 10 سنوات لأنه رفض العمل في مشروعات عسكرية في إيران. ويعاني أميد كوكبي من مشاكل في الكلى منذ قرابة خمس سنوات، ولكن السلطات تجاهلت طلباته المتكررة من أجل الحصول على رعاية طبية. وفي إبريل/نيسان 2016، شُخصت حالته بأنه يعاني من سرطان في الكلى في مرحلة متقدمة، وأنه في حاجة لجراحة عاجلة لاستئصال الكلية اليمنى.
وقال أحد أفراد عائلة أميد كوكبي: “لقد ظل ينتظر لفترة طويلة من أجل نقله إلى مستشفى… ولكن المسؤولين لم يوافقوا على نقله. ولم يفحصه أطباء السجن مطلقاً، ولكنهم يكتفون بإعطائه مسكنات للألم”.
وقد ظهرت مؤخراً صورة يبدو فيها أميد كوكبي وهو مقيد بالسلاسل في سريره في المستشفى، وذلك عندما كان يُعالج في مرة سابقة في عام 2015، وهو الأمر الذي أثار غضباً على مواقع التواصل الاجتماعي.
أما سجين الرأي أفشين سهراب زاده، وهو إيراني كردي يقضي حكماً بالسجن 25 سنة، فقد حُرم هو الآخر مراراً من الرعاية الطبية المتخصصة التي يحتاجها بشكل عاجل نظراً لإصابته بسرطان في الأمعاء، مما تسبب في نزيف شديد ومتكرر في الجهاز الهضمي. وقد اشترطت السلطات أن يدفع كفالة باهظة مقابل الإفراج عنه إفراجاً طبياً مؤقتاً.
وقد قال بعض المسؤولين لأفشين سهراب زاده: “لا ضير إذا لم تستطع أن تقدم صك ملكية مقابل الإفراج الطبي المؤقت عنك، وسوف نرسل جثتك إلى المشرحة، ويمكن لأمك وأبيك استلامها من هناك”.
وفي 25 يونيو/حزيران 2016، حصل أفشين سهراب زاده أخيراً على إفراج طبي مؤقت، ولكنه لا يزال عاجزاً عن تدبير نفقات العلاج، لأن مسؤولي الاستخبارات صادروا وثائق الهوية الخاصة به، مما يمنعه من تقديم طلب للحصول على الرعاية الطبية المدعومة من الدولة.
وهناك حالة أخرى صادمة، وهي حالة سجين الرأي عفيف نعيمي، وهو واحد من الزعماء السبعة المسجونين من طائفة البهائيين في إيران، ويقضي حكماً بالسجن 10 سنوات. فهو يعاني من خلل شديد في تخثر الدم، مما يتطلب رعاية طبية متخصصة ومنتظمة لا تتوفر داخل السجن. ويمكن لهذا المرض أن يؤدي للوفاة إذا ما تُرك دون علاج. وقد أفاد أطباء متخصصون عدة مرات بأنه غير لائق للبقاء في السجن، ولكن النيابة العامة رفضت الإفراج عنه لدواعٍ طبية بالرغم من ذلك. وعاني عفيف نعيمي أثناء وجوده في السجن من النزيف وفقدان الوعي بشكل متكرر، مما استدعى علاجه في المستشفى عدة مرات.
الإضرابات عن الطعام
شعر كثير من السجناء السياسيين، ممن يعانون من مشاكل صحية، أنه لا يوجد خيار أمامهم سوى الإضراب عن الطعام لحمل السلطات على توفير الرعاية الطبية لهم. وعادةً ما تُواجه الإضرابات عن الطعام بلامبالاة من السلطات، ولكن في بعض الحالات وافقت السلطات في نهاية المطاف على منح بعض السجناء المضربين تصاريح بالخروج من السجن لفترة قصيرة لدواعٍ طبية، ثم أجبرتهم على وقف العلاج الذي يتلقونه عن طريق إعادتهم للسجن بعد فترة وجيزة على خلاف ما يوصي به الأطباء.
وفي بعض الحالات، عُوقب سجناء لأنهم أضربوا عن الطعام. ومن هؤلاء سجين الرأي عليرضا رسولي، الذي يقضي حكماً بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، حيث حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات إضافية بعد إدانته بتهم تتعلق بالأمن القومي، من قبيل “نشر دعاية مناهضة للنظام” بأساليب شتى من بينها تنظيم إضرابات عن الطعام. ويعاني علي رضا رسولي من مرض في عظام الساق، وقد تدهور بسبب تركه دون علاج، مما يسبب له ألماً مبرحاً ويعوق قدرته على الحركة. وهو في حاجة لجراحة خارج السجن للحيلولة دون حدوث تلف دائم في المفاصل.
وتهيب منظمة العفو الدولية بالسلطات الإيرانية أن تكف فوراً عن حرمان السجناء من الحصول على الرعاية الطبية الملائمة، تماشياً مع التزاماتها الدولية. ويجب على السلطات أن تحقق مع مسؤولي النيابة وغيرهم من المسؤولين، بما في ذلك الأطباء والممرضين، الذين يحتمل أن يكونوا ضالعين في حرمان سجناء عمداً من الرعاية الطبية.