لا عدالة للمدنيين الأفغان القتلى على يد قوات الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي

في الساعات الأولى من فجر 16 سبتمبر/أيلول 2012، انطلقت مجموعة من النساء من قرى مختلفة في اقليم لقمان، بشرق افغانستان، بقصد جمع الحطب. وأثناء توقفهن لشرب الماء من نبع صغير، ظهرت طائرات عسكرية أمريكية في السماء، وبدأت القنابل تتساقط. قتلت سبع من النساء وجرحت سبع أخريات – أربع منهن في حالة خطيرة.

في صباح اليوم التالي، صرح متحدث باسم حلف شمال الاطلسي لوسائل الإعلام بما يلي: “قتل عدد كبير من المتمردين” في الضربات الجوية. وكانت ردود فعل القرويين المحليين حانقة، فحملوا جثامين النساء إلى مكتب الحاكم المحلي للمنطقة  ونظموا احتجاجاً على عملية القتل. بعد إدراكه خطأه، سارع حلف شمال الاطلسي لتقديم اعتذار علني. وفي بيان صحفي صدر في اليوم التالي، وعد الحلف بإجراء تحقيق شامل في مقتل النساء: “قوات التحالف تأخذ الضحايا المدنيين على محمل الجد”. ولكن عائلات الضحايا لم تر ما يدل على وجود تحقيق بعد ذلك.

طفال داود و ظاهر يصلون بالمقبرة حيث دفن أبيها أو عمها وعماتها وأبناء عمومة بعد تعرضهم للقتل من قبل الولايات المتحدة / الضربات الجوية للناتو في أفغانستان © Amnesty International
طفال داود و ظاهر يصلون بالمقبرة حيث دفن أبيها أو عمها وعماتها وأبناء عمومة بعد تعرضهم للقتل من قبل الولايات المتحدة / الضربات الجوية للناتو في أفغانستان © Amnesty International

ولا أحد خارج الناتو يعرف ما إذا كان قد تم إجراء التحقيق الموعود، أو ما خلص إليه. ولكن من الواضح أنه إذا  ما كان هناك تحقيق قد حصل بالفعل في وقت ما، فإنه لم يشرِك أياً من الشهود الأفغان.

 هذا الربيع، عندما زار باحثو منظمة العفو الدولية أفغانستان وتحدثوا إلى نحو 15 من أفراد عائلات الضحايا والشهود، علموا أنه لا يتم سؤال ولو شخص واحد منهم من جانب المحققين العسكريين الأمريكان لتقييم روايته بشأن الأحداث. ووفقاً لأحد القرويين، الذي فقد ثلاثة من أفراد أسرته: “اعتذر القائد الأميركي عن قتل النساء وسأل عما إذا كنا نريد التعويض، ولكن أجبناه: ‘كلا، لن نبيع دماء شهدائنا’”.

 وكانت هذه بعيدة كل البعد عن أن تكون حالة معزولة. فقد أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً جديداً الإثنين يوثق الغياب شبه التام للعدالة فيما يتعلق بقتل المدنيين من قبل قوات الولايات المتحدة/حلف شمالي الاطلسي في أفغانستان.

 إذ درسنا بالتفصيل 10 حالات وقعت بين عامي 2009 و2013، حيث كانت قوات الولايات المتحدة المسؤولة عن القتلى المدنيين بصورة أساسية، ومعظمهم من خلال غارات جوية أو مداهمات ليلية. فقتل 140 مدنياً على الأقل في هذه الحوادث، بما في ذلك نساء حوامل وما لا يقل عن 50 طفلاً. وقابلنا نحو 125 من الشهود والضحايا وأفراد الأسر، بمن فيهم العديد من الذين لم يسبق لهم أن أدلوا بشهادات لأحد. وبعض الحالات تنطوي على أدلة وافرة ودامغة على جرائم حرب – ومع ذلك لم يتم تحميل مسؤولية ما حدث لأحد.

 لقد ظل قتل المدنيين إحدى النقاط الشائكة الرئيسية في العلاقة بين أفغانستان والغرب، وقد ولدت استياء كبيراً عند الحكومة الأفغانية وعند الجمهور عامة.

صحيح أن القوات الدولية في أفغانستان قد اتخذت خطوات ناجحة للحد من الضحايا المدنيين في السنوات الأخيرة. ففي 2013، ووفقاً للأمم المتحدة، كانت القوات الدولية مسؤولة عن خمسة في المائة من إجمالي الوفيات في صفوف المدنيين – في حين كانت حركة طالبان والجماعات المسلحة الأخرى مسؤولة عن الأغلبية الساحقة منها.

 ولكن يجب أن يواكب هذه الخطوات جهد لتحسين مستوى المساءلة عن أعمال القتل التي لا تزال تحدث. ففي الفترة التي يركز عليها تقريرنا، كانت منظمة العفو الدولية على علم بست حالات فقط تمت فيها محاكمة جنود تابعين للولايات المتحدة عن قتل مدنيين في أفغانستان.

 والتحقيقات الجنائية الفعلية نادرة جداً. والضربة الجوية في لقمان جاءت وفق نمط مألوف – فما إن تدفعهم الفضيحة إلى الاعتراف بالضحايا المدنيين، تهرع قوات الولايات المتحدة أو الناتو غالباً إلى الإعلان بأن تحقيقاً سوف يفتح، ولكن نتائجه لا تنشر أبداً. ويترك أفراد الأسر والجمهور في الظلام. فمن بين 125 شاهداً تحدثنا إليهم، لم يقابل محققو الولايات المتحدة العسكريون سوى اثنين فقط.

 ويشكل نظام القضاء العسكري للولايات المتحدة المعيب بشدة قلب هذه المشكلة. فبوصفه في الأساس شكلاً من أشكال الرقابة الذاتية، يعتمد نظام القضاء العسكري للولايات المتحدة، إلى حد كبير، على الجنود أو القادة للإبلاغ عن الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان بأنفسهم لتحريك التحقيق – ولكن هناك القليل من الحوافز التي يمكن أن تدفعهم إلى القيام بذلك، وقد ينتهون إلى مواجهة المحاكمة بسبب الإبلاغ عن انتهاكات كان لهم دور فيها. وحيث أن قوات الولايات المتحدة تتمتع بالحصانة من الملاحقة القضائية في النظام القضائي الأفغاني، ليس لدى الأفغان أنفسهم أي وسيلة لتقديم شكوى جنائية. وفي تلك المناسبات النادرة عندما تصل القضايا إلى مرحلة المحاكمة، تسود مخاوف جدية بشأن استقلال وشفافية المحاكم العسكرية – ونادرا ما يستدعى الضحايا الأفغان للإدلاء بشهاداتهم.

إن رسالتنا لحكومة الولايات المتحدة الامريكية واضحة — يجب التحقيق في جميع الحالات التي تنطوي على سقوط ضحايا من المدنيين على أيدي قوات الولايات المتحدة، وحيثما يكون مناسباً، يجب تقديم الذين تثبت مسؤوليتهم إلى ساحة العدالة. ويجب ضمان إجراء تحقيقات فورية ومحايدة، الأمر الذي يتطلب إجراء إصلاح جذري لنظام العدالة العسكرية للولايات المتحدة.

إن انعدام العدالة في الوقت الراهن يترك إرثاً خطيراً من الاستياء والإفلات من العقاب في أفغانستان. وقد أكد معظم الضحايا وأفراد الأسر الذين تحدثنا إليهم أنهم متعطشون للعدالة أكثر من أي شيء آخر – ويجب على الولايات المتحدة ألا تواصل تجاهلها لمناشداتهم برؤية العدالة تتحقق.

ريتشارد بينيت هو مدير برنامج آسيا والمحيط الهادئ في منظمة العفو الدولية. وبين عامي 2004 و2007، شغل منصب رئيس وحدة حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان.

 يرجي أن لا تترددوا في إعادة النشر على مواقع منظمة العفو شريطة الإشارة إلى رابط المادة الأصلية المنشورة في مجلة “فورن بولسي”:

https://southasia.foreignpolicy.com/posts/2014/08/12/amnesty_international_no_justice_for_afghan_civilians_killed_by_us_or_nato_force