في غضون عامين فقط، ولأول مرة في تاريخ طولة كأس العالم لكرة القدم، ستنطلق بطولة كأس العالم في الشرق الأوسط. ستكون بطولة كأس العالم لعام 2022 في قطر بمثابة لحظة تاريخية ومثيرة للغاية لعالم كرة القدم والمنطقة نفسها.
لولا مجهود المليوني عامل الأجانب، لما أمكن إقامة بطولة كأس العالم 2022 في قطر. يقوم الرجال والنساء – ومعظمهم من أفريقيا وآسيا – ببناء الملاعب، والطرق، والمترو، وسوف يوفرون الأمن لمباريات كرة القدم، وينقلون المشجعين في سيارات الأجرة إلى الأماكن التي تجري فيها المباريات، ويقدّمون الخدمة لهم في الفنادق، ويخدمونهم في المطاعم، مع اقتراب موعد البطولة.
لكن في العقد الذي مضى منذ أن مُنحت قطر حق استضافة كأس العالم، كان استغلال هؤلاء العمال والإساءة إليهم أمرين منتشرين، حيث تعرض العمال للعمل القسري، وعدم تقاضي الأجور، وساعات العمل المفرطة.
في 2017، بعد سنوات من ممارسة الضغط الدولي المتصاعد، وقّعت حكومة قطر اتفاقية مع منظمة العمل الدولية، فوعدت بمعالجة قضية استغلال العمال على نطاق واسع و“مواءمة قوانينها وممارساتها مع معايير العمل الدولية“، وقدّمت بصيص أمل لأولئك الذين يساهمون كثيراًفي تحقيق حلم البلاد في استضافة بطولة كأس العالم.
ولكن مع بقاء 730 يوماً فقط حتى انطلاق البطولة، هل تتوافق وعود قطر بإصلاح نظام العمل مع الواقع الذي يواجهه العمال الأجانب الذين تعتمد عليهم الدولة بشدة؟
الاستغلال الذي طال أمده للعمال الأجانب في قطر
يكمن جوهر الانتهاكات التي يواجهها العمال الأجانب في نظام “الكفالة” في قطر الذي يربط العمال الأجانب قانونياً بأرباب عملهم.. على مدى العقد الماضي، أظهرت منظمة العفو الدولية، وغيرها، كيف أن النظام – الذي منع العمال حتى وقت قريب من تغيير وظائفهم أو حتى مغادرة البلاد دون إذن من صاحب العمل – يوقع العمال الأجانب في براثن حلقة من الانتهاكات.
والعوامل الأخرى المرتبطة بالإساءة إلى العمال الأجانب، التي لم يتم تناولها بشكل مباشر من خلال التغييرات القانونية الأخيرة، هي المستويات العالية من ديون العمال الناجمة عن ممارسات التوظيف غير القانونية وغير الأخلاقية، والتأخير في دفع الأجور وعدم دفعها، والعوائق التي تحول دون تحقيق العدالة عند انتهاك الحقوق، وحظر إنشاء النقابات العمالية، والتقاعسعن إنفاذ قوانين العمل، ومعاقبة أرباب العمل الذين يسيئون إلى عمالهم.
بعيدًا عن أضواء كأس العالم وقطر، لا تزال العمالة المنزلية في البلاد يواجهن انتهاكات شديدة وواسعة النطاق على أيدي أرباب العمل المسيئين، وتتعرض لخطر النسيان في إجراء الإصلاحات.
وعود الإصلاح
بعد وعود متكررة، لم يتبعها إلا تحرك محدود على مدى سنوات، وقَّعت قطر في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 اتفاقاً مع منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة ما أثار قدراً أكبر من التفاؤل. وتعمل منظمة العمل الدولية، التي صار لها الآن مكتب في قطر، مع السلطات في عملية إصلاح واسعة تشمل خمسة مجالات وهي إصلاح نظام الكفالة، وسبل نيل العدالة، وأصوات العمال، والصحة والسلامة، والأجور والتوظيف.
وقد أقرت الحكومة، في الفترة التي انقضت منذ عام 2017، عدة تشريعات جديدة تستهدف منفعة العمال الأجانب، من بينها وضع سن قانون للمستخدمين في المنزل، وإقامة لجان جديدة لفض المنازعات العمالية، وإنشاء صندوق لدعم وتأمين العمال. كما صدَّقت على معاهدتين دوليتين مهمتين لحقوق الإنسان؛ برغم أنها أشارت إلى أنها لن تتقيد ببعض التزاماتهما الأساسية، مثل تلك المتعلقة بحق العمال في إنشاء نقابات. في 2018، أنهت قطر شرط “مأذونية الخروج” لمعظم العمال، مما يعني أن المستفيدين يمكنهم الآن مغادرة البلاد دون إذن صاحب العمل. وفي نفس الوقت، تم استثناء العمالة المنزلية من هذا الإصلاح، ولكن في نهاية 2019، تم إلغاء مأذونية الخروج لها أيضاً.
في 2020، أحرزت قطر المزيد من التقدم المهم، بما في ذلك إنهاء شرط شهادة عدم الممانعة، مما يعني أنه يمكن لجميع العمال تغيير وظائفهم دون إذن صاحب العمل، وفرض حد أدنى إلزامي جديد للأجور في أغسطس/آب.
وعلى الرغم من هذه التغييرات القانونية الإيجابية، فإن تأثيرها على الحياة اليومية للعمال الأجانب سيرتكز على كيفية تطبيق حكومة قطر لهذه التغييرات في الواقع الفعلي. وضعف التطبيق والإنفاذ لبعض الإصلاحات التي أدخلت في السنوات الأخيرة، والمفصلة أعلاه، يعني أن الآلاف من العمال قد تُركوا تحت رحمة أرباب العمل عديمي الضمير.
ولكن خبرات التاريخ تدعونا إلى توخي الحيطة والحذر، لأن الإصلاحات التشريعية وحدها لا تتحول تلقائياً إلى تأثيرات فعلية على وضع العمال. ولكي لا تكون تلك التعديلات مجرد حبر على ورق، فإن ثمة ضرورة لبذل جهود أكبر.
واليوم، لا يزال الواقع بالنسبة للعديد من العمال الأجانب في قطر قاسياً، وسيظل كذلك حتى اكتمال عملية الإصلاح، وتنفيذها بشكل أفضل في الممارسة وتطبيقها بفعالية. ويجب على الحكومة أيضاً اتخاذ المزيد من الإجراءات لضمان توفير الحماية لجميع العمال، لأنه في حين أن التغييرات القانونية الأخيرة قد تجعل من الأسهل الهروب من حالات المعاملة السيئة، فمن غير المرجح أن تضع حداً للإساءات نفسها.
الاعتماد المستمر على أرباب العمل في الإجراءات الانتقامية
على الرغم من الإصلاحات المهمة لنظام الكفالة، لا يزال العمال الأجانب في قطر مرتبطين بأرباب عملهم الذين يعملون بمثابة “الكفيل” الرسمي من لحظة دخولهم البلد وطوال فترة عملهم. لا يستطيع العمال الأجانب أن يطلبوا أو يجددوا تصاريح إقامتهم بأنفسهم، ويتحمل الكفيل مسؤولية القيام بذلك. ومع ذلك، إذا تقاعس الكفيل عن تجديد التصريح، فإن العامل هو الذي يواجه العقوبة.
في الواقع، لا يزال أرباب العمل يتمتعون بالحق القانوني في إلغاء تصاريح إقامة العمال أو توجيه تهمة “الهروب” ضد العمال الأجانب الذين يتركون وظائفهم دون إذن. ثم يفقد العمال الوافدون حقهم في البقاء في قطر وبالتالي يواجهون الاعتقال والترحيل. ويديم هذا النظام اختلال توازن القوى لصالح أرباب العمل ويزيد من مخاطر الانتهاكات العمالية. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن عملية مصادرة جواز السفر لا تزال منتشرة على نطاق واسع، لا سيما بين عمّال وعاملات المنازل البالغ عددهم 173000، ويمكن أن تقوض الإصلاحات الأخيرة. على سبيل المثال، يصعب على العمال الذين ليس لديهم جواز سفر مغادرة البلاد، أو تغيير وظائفهم، حتى لو كان بإمكانهم الآن القيام بذلك دون إذن صاحب العمل.
سرقة رواتب العمّال
قد سمح إدخال دولة قطر في عام 2015 لنظام حماية الأجور، الذي يفرض على الشركات دفع رواتب عمالها إلكترونياً، للحكومة بمراقبة المدفوعات للموظفين، والكشف عن المخالفات، والتدخل لوقف سرقة الرواتب. ومع ذلك، لا يزال النظام غير فعال، ولا يزال الآلاف من العمال الأجانب يعانون من تأخر في دفع الأجور أو عدم دفعها. فبعد الحصول على قروض ذات فائدة عالية في كثير من الأحيان لدفع رسوم توظيف مكلفة وغير قانونية؛ يمكن أن تكون هذه التأخيرات مدمرة للعمال، خاصة عندما لا يدعمون أنفسهم فحسب بل أسرهم في بلدانهم الأصلية. ففي مئات الحالات، لا تزال لجان النزاعات العمالية الجديدة تستغرق عدة أشهر للنظر في القضايا – وقد لا تزال تتقاعس عن ضمان الدفع عندما لا تدفع الشركات، أو لا تستطيع الدفع. ما أجبر العديد من العمال على العودة إلى ديارهم مفلسين نتيجة لذلك.
وقال أحد العمال، الذي تقاعست شركته عن دفع أجره لشهور متتالية بين عامي 2019 و2020، لمنظمة العفو الدولية، إن ابنه لم يعد قادرًا على الذهاب إلى المدرسة لأنه لم يكن قادراً على دفع الرسوم المدرسية:
لا ندري ماذا نفعل. ليس لدينا أذون إقامة، نحن هنا بصورة غير قانونية. ويستطيع رب عملنا أن يهرب في أي وقت، هو ليس مواطناً قطرياً. ونحن نشارف على الوصول إلى سبعة أشهر بدون راتب. وأنا شخصياً أدبر أموري، لكن ماذا عن أطفالي؟ الآن يجلس ابني البكر في المنزل، ولا يستطيع الذهاب إلى المدرسة
دانييل
عمل دائم، بدون أجر
في مارس/آذار 2018، أنشأت قطر لجان فض المنازعات العمالية (اللجان). واستبدلت هذه اللجان محاكم العمل المعروف أنها غير فعالة، وكانت من أكثر الخطوات المشجعة في إصلاحات نظام العمل في قطر؛ ووعدت بحل شكاواى العمال وإعطائهم حكما قانونيا واجب النفاذ في غضون ستة أسابيع.
إلا أن بحث منظمة العفو الدولية – الذي سلط الضوء على حالات 2000 عامل من ثلاث شركات – قد وجد أن قطر لا تزال تفتقر إلى توفير سبل كافية لوصول العمال إلى العدالة. واللجان الجديدة مثقلة بعدد كبير من الحالات. إن وجود عدد كبير جدًا من القضايا بالنسبة لعدد قليل جدًا من القضاة يعني أن العمال ينتظرون شهورًا – وأحيانًا ما يصل إلى ثمانية أشهر – حتى تتم معالجة شكاواهم. في تلك الحالات التي يتلقى فيها العمال أحكامًا إيجابية، فإن الافتقار إلى الإنفاذ الفعال يعني أن الشركات غالبًا ما تتقاعس عن تقديم التعويضات المطلوبة، مما يجبر العمال على مواصلة كفاحهم في المحاكم المدنية في محاولة لاسترداد أموالهم.
فبعد أن تم التخلي عن العمال من قبل شركاتهم، ومع عدم الحصول على أجر لمدة أشهر، ونقص في الغذاء والماء، يعيش العمال على المعونات الخيرية. وإن أوضاعهم المزرية تعني أن الكثير منهم يشعرون أنه ليس لديهم خيار سوى مغادرة قطر، والعودة إلى ديارهم بجيوب خاوية.
وإذا أرادت قطر أن تغير مسارها، وأن تفي بالتزاماتها بشأن تحسين سبل نيل العدالة، فإن عليها اتخاذ إجراءات سريعة لتعزيز قدرة اللجان على النظر في القضايا؛ وتعزيز قدرتها على محاسبة الجناة؛ وضمان تطبيق إجراءات صندوق دعم وتأمين العمال بشكل ممنهج وإتاحتها لجميع العمال الذين لم يدفع أرباب العمل أجورهم.
العمالة المنزلية
في أغسطس/آب 2017، سنت قطر قانون المستخدمين في المنازل. ووعد ذلك بالحد من ساعات العمل لأكثر من 173 ألف من عمّال وعاملات المنازل الموجودين حاليا في قطر، ومنحهم وقت راحة ويوم عطلة أسبوعي مدفوع الأجر، وغيرها من وسائل الحماية.
ومع ذلك، وبعد ثلاث سنوات، لا يزال المستخدمون في المنازل يواجهون أكثر ظروف العمل قسوة، ويتعرضون في كثير من الحالات للمعاملة السيئة المروعة بما في ذلك جرائم الاعتداء الجسدي والجنسي الجسيمة.
وقالت 90 من 105 عاملة منزلية، اللواتي اتصلت بهن منظمة العفو الدولية في سياق بحثها، إنهن عملن بانتظام أكثر من 14 ساعة في اليوم، و89 عملن بانتظام سبعة أيام في الأسبوع. وقد عملت نصف النساء أكثر من 18 ساعة في اليوم، ولم تحصل معظمهن قط على يوم راحة واحد. وذكرت بعضهن أيضاً بأنهن لا يقبضن رواتبهن على الوجه الصحيح، في حين وصفت 40 امرأة تعرضهن للإهانة، أو الصفع، أو البصق. وقالت إحدى النساء إنها عوملت “مثل الكلبة”.
الاتحاد الدولي لكرة القدم
قال الاتحاد الدولي لكرة القدم إنه لم يكن على علم بحالة شركة قطر للحديد المجلفن حتى مايو/أيار 2020، عندما أبلغت منظمة العفو الدولية اللجنة العليا. وأضاف قائلاً، إنه لم يتم “إخطاره بشكل روتيني” بجميع الحالات التي تتطلب معالجة. وبدلاً من ذلك، يبدو أنها تثق بشركائها، بما في ذلك اللجنة العليا، وأنظمتها لحماية حقوق العمال في مواقع بطولة كأس العالم. وحقيقة أن الاتحاد الدولي لكرة القدم لم يكن على علم بمحنة العمال في أحد ملاعب كأس العالم، لهذه الفترة الطويلة، يظهر أنه لا يزال يتقاعس عن التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة ببطولة كأس العالم بجدية كافية.
ما الذي ينبغي لقطر أن تقوم به؟
قبل عامين فقط من انطلاق بطولة كأس العالم، فضلاً عن مرور ثلاث سنوات منذ توقيع الاتفاق مع منظمة العمل الدولية، من الضروري أن تقوم السلطات القطرية بتعجيل جهودها من أجل إحداث تحول حقيقي في أشكال الحماية المتاحة لعمالها الأجانب.
وينبغي للحكومة القطرية، مع دعم منظمة العمل الدولية وتشجيع شركائها، أن تنفِّذ الخطوات التالية:
- التطبيق الفعال للإصلاحات الأخيرة وإنفاذها، مع إدخال المزيد من الإجراءات؛
- تعزيز آليات التفتيش لاكتشاف الانتهاكات ووضع حد لها على وجه السرعة؛
- ضمان دفع أجور مناسبة ومعالجة قضية ديون العمال؛
- تحسين قدرة العمال على الوصول إلى سبل العدالة وضمان محاسبة أصحاب العمل المسيئين؛
- ضمان توفير حماية أفضل للعمالة المنزلية؛ و
- تعزيز أصوات العمال الأجانب واحترام حقهم في إنشاء النقابات العمالية.
ماذا عن الاتحاد الدولي لكرة القدم والشركات العاملة في قطر؟
المسؤوليات والحلول لا تقع على عاتق الحكومة القطرية وحدها. وتوضح “مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان” أنه ينبغي للشركات، كحد أدنى، أن تحترم حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق العمال. وهذا يعني اتخاذ إجراءات كافية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان ذات الصلة بعملياتها، وتخفيف أثرها، واتخاذ إجراءات للإنصاف، كلما دعت الضرورة. وينبغي للشركات ألا تنتهز بأي حال عيوب نظام العمل القطري لاستغلال العمال.
أما بالنسبة للهيئات مثل “الاتحاد الدولي لكرة القدم”، فهذا يعني أنها تتحمل مسؤولية مستمرة عن منع الانتهاكات، والتصدي للانتهاكات التي وقعت نتيجة لعملياتها التجارية المرتبطة بكأس العالم. وتماشياً مع سياسة حقوق الإنسان الخاصة بالاتحاد الدولي لكرة القدم، ينبغي عليه ألا يضمن فحسب احترام حقوق العمال في أعمال بناء ملاعب كأس العالم، بل وأن يستخدم أيضاً نفوذه في ضمان احترام الحقوق في نطاق أوسع من مشروعات البنية الأساسية اللازمة لإقامة بطولة كأس العالم لسنة 2022. وقد يشمل ذلك، على سبيل المثال، أنظمة التبريد أو المجمعات السكنية التي تم إبرازها في حالة شركة ميركوري مينا، ومشاريع النقل الرئيسية وقطاع الضيافة.
وحيث إن الوقت يمر، ينبغي على الاتحاد الدولي لكرة القدم أيضاً أن ينشط في السعي للتأثير على السلطات القطرية حتى تفي بشكل كامل وعلى وجه السرعة بوعودها المتعلقة بالإصلاح حتى تكون حماية جميع العمال الأجانب في البلاد إرثاً إيجابياً وطويل الأمد لكأس العالم لعام 2022.
ويمكن لأصحاب الشأن الآخرين، كالحكومات الأخرى واتحادات كرة القدم الوطنية والجهات الراعية، أن تضيف أيضا صوتها وتقوم بدور مؤثِّر في هذه المرحلة الحرجة.
قوموا بتنزيل التقرير بالكامل على هذا الرابط:
الواقع عن كثب: أوضاع حقوق العمال الأجانب قبل بطولة كأس العالم لعام 2022 في قطر