اليمن: تدفق الأسلحة دون تروٍ يقضي على الحياة المدنية مع مرور عام على بدء النزاع

قالت منظمة العفو الدولية اليوم، بعد مرور ما يقرب من سنة على بدء النزاع في اليمن، إنه ينبغي للدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أن تضع حداً لكل عمليات نقل السلاح بغرض استخدامه في نزاع اليمن من أجل وقف تأجيج الانتهاكات الخطيرة التي كان لها أبلغ الأثر على المدنيين.

فقد قُتِلَ ما يربو على 3000 مدني، من بينهم 700 طفل، وشُرِّدَ ما لا يقل عن 2.5 مليون شخص من ديارهم على مدى السنة الأخيرة. وبات 83 في المائة على الأقل من سكان البلاد في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية.

وقال جيمس لينش، نائب مدير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “مر عام على النزاع في اليمن، وما زالت استجابة المجتمع الدولي للنزاع لا تبالي بغير المصالح ومشينة كلياً.”

وقد بادرت المملكة العربية السعودية بشن هجمات جوية على جماعة الحوثيين المسلحة في 25 مارس/آذار 2015، الأمر الذي فجر صراعاً مسلحاً مكتمل الأبعاد، ارتكبت فيه كل الأطراف انتهاكات واسعة النطاق للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك انتهاكات يُحتَمَل أن تكون جرائم حرب. وقال متحدث باسم التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي إن العمليات القتالية الأساسية ستنتهي قريباً، لكنه قال أيضاً إن التحالف سيستمر في توفير دعم جوي للقوات المناهضة للحوثيين.

مر عام على النزاع في اليمن، وما زالت استجابة المجتمع الدولي للنزاع لا تبالي بغير المصالح ومشينة كلياً.

جيمس لينش، نائب مدير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

وطوال السنة الأخيرة واصلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة – وهما أكبر دولتين تزودان المملكة العربية السعودية التي تقود الصراع بالأسلحة – وغيرهما من الدول السماح بنقل أسلحة من النوع الذي استُخدِمَ في ارتكاب وتسهيل ارتكاب انتهاكات جسيمة، وهو ما سبب أزمة إنسانية لم يسبق لها مثيل في اتساع نطاقها.

وقال جيمس لينش: “لقد صب شركاء المملكة العربية السعودية الدوليون الزيت على النار بإغراق المنطقة بالأسلحة؛ برغم الأدلة المتزايدة على أن مثل هذه الأسلحة سهلت ارتكاب جرائم مروعة، وبرغم وضوح احتمال أن تُستَخدَم أي إمدادات جديدة في ارتكاب انتهاكات خطيرة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تقاعسوا أيضاً عن إجراء تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات التي خربت حياة آلاف المدنيين.

“لقد ساهم تدفق الأسلحة بشكل غير مشروع، ويفتقر إلى تقدير المسؤولية على الأطراف المتحاربة في اليمن، مساهمة مباشرة في معاناة المدنيين على نطاق واسع. وحان الوقت كي يكف زعماء العالم عن منح الأولوية لمصالحهم الاقتصادية، وكي يفرض مجلس الأمن الدولي حظراً كاملاً وشاملاً لنقل الأسلحة بغرض الاستخدام في اليمن.”

لقد صب شركاء المملكة العربية السعودية الدوليون الزيت على النار بإغراق المنطقة بالأسلحة؛ برغم الأدلة المتزايدة على أن مثل هذه الأسلحة سهلت ارتكاب جرائم مروعة، وبرغم وضوح احتمال أن تُستَخدَم أي إمدادات جديدة في ارتكاب انتهاكات خطيرة.

جيمس لينش

وفي 25 فبراير/شباط، دعا البرلمان الأوروبي إلى فرض حظر على نطاق الاتحاد الأوروبي لتوريد السلاح للمملكة العربية السعودية التي تقود قوات التحالف، وفي 15 مارس/آذار دعا البرلمان الهولندي كذلك الحكومة إلى وقف عمليات نقل الأسلحة إلى السعودية. وفي غياب حظر من مجلس الأمن، تدعو منظمة العفو الدولية جميع الدول إلى ضمان عدم إمداد أي طرف من أطراف النزاع في اليمن، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بالأسلحة، أو الذخائر، أو المعدات أو التقنيات العسكرية التي يمكن أن تُستَخدَمَ في الصراع. وينطبق هذا أيضاً على الدعم المالي والدعم في مجال النقل والإمداد لمثل هذه العمليات.

الانتهاكات التي ارتكبها الطرفان

وينبغي أن يشمل أي تصريح بنقل أسلحة إلى أي طرف في صراع اليمن ضمانات صارمة وملزمة قانوناً تؤكد أنها ستُستَخدَم بطريقة تتماشى مع القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان وأن هذه الأسلحة لن تُستَخدَمَ في اليمن.

قال جيمس لينش: “على مدى السنة الأخيرة، كشف نمط من الهجمات الجوية للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية وكذلك الهجمات البرية التي تشنها قوات الحوثيين وحلفاؤها، أو التي تشنها القوات المناهضة للحوثيين، عن عدم اكتراث مروع بحياة المدنيين ومثل انتهاكاً سافراً للقانون الإنساني الدولي. وتكشف النتائج المدمرة لمثل هذه الهجمات مدى أهمية وقف تدفق الأسلحة التي تُستَخدَم في ارتكابها.”

وقد وثقت منظمة العفو الدولية، منذ بدء الصراع، ما لا يقل عن 32 هجوماً جوياً شنتها قوات التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في شتى أنحاء البلاد وتمثل على ما يبدو انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي. وقُتِلَ في هذه الهجمات ما يقرب من 361 مدنياً، من بينهم ما لا يقل عن 127 طفلاً. وكان من بينها كذلك هجمات على بعض المستشفيات، والمدارس، والأسواق، والمساجد، قد تمثل جرائم حرب.

ففي 15 مارس/آذار، قُتِلَ ما لا يقل عن 44 مدنياً وجُرِحَ العشرات في غارة جوية مميتة شنها التحالف على سوق مزدحمة في محافظة حجة التي تسيطر عليها القوات الحوثية في شمال اليمن. وأبلغ سكان المنطقة منظمة العفو الدولية بأن سوق خميس كانت نقطة تجمع مدنية حافلة بالنشاط للمجتمع المحلي تُباعُ فيها اللحوم، والأسماك، والثلج لسكان المنطقة.

وفقد حسن محمد المسافي، وهو أب لخمسة أبناء، ثلاثة من أفراد عائلته في الغارة الجوية، وهم ابنه البالغ من العمر 18 عاماً واثنان من أقاربه، أحدهما صبي عمره 12 عاماً. وقال لمنظمة العفو الدولية: “كان ابني يذهب إلى السوق كل يوم. ولم نتمكن من العثور على جسده كله، كل ما استطعنا العثور عليه بعد الغارة الجوية هو ساقه اليمنى.”

ووردت أنباء متضاربة بخصوص وجود قوات عسكرية في السوق وقت الهجوم الجوي. فقد أفاد سكان المنطقة والمسعفون الذين تحدثت معهم منظمة العفو الدولية بأنه لم يكن هناك أي وجود للقوات الحوثية في السوق التي ضُرِبَت مرتين تفصل بينهما دقائق. لكن بعض التقارير الإعلامية نقلت عن زعيم قبلي قوله إن مقاتلين حوثيين كانوا موجودين وقت الغارة الجوية، وقُتِلَ بعضهم في الهجوم.

وحتى لو كان هذا دقيقاً، فلا يعفي وجود مقاتلين في المنطقة التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية من التزامه باتخاذ الاحتياطات الضرورية لعدم إصابة المدنيين. فموجب القانون الإنساني الدولي ينبغي لكل الأطراف في أي نزاع أن تسعى لتقليل الخطر على المدنيين إلى أدنى حد ممكن بكل السبل الممكنة، بما في ذلك إلغاء أو تأجيل أي هجوم إذا صار واضحاً أن المدنيين قد يلحق بهم ضرر غير متناسب.

ويمثل الخلاف حول طبيعة الهجوم الذي وقع في محافظة حجة مثالاً جيداً لدواعي إجراء تحقيق دولي مستقل وجدير بالثقة لإقرار الحقائق فيما يتعلق بالانتهاكات التي يُزعَمُ ارتكابها على أيدي كل الأطراف.

ووصف عبد الحسيب المتوكل اللحظة المفزعة التي استهدفت فيها قوات التحالف منزله في حي معين الواقع في غرب صنعاء بضربتين جويتين متعاقبتين في يناير/كانون الثاني 2016. وكانت زوجته وابنتاه الصغيرتان في المنزل وقت الهجوم وكاد الانفجار يودي بحياتهن.

استيقظنا على سقوط النوافذ فوقنا جميعاً… حطمت ضربتان المنزل وحولتاه إلى شظايا… لم يكن هناك مهرب

عبد الحسيب المتوكل، الذي أصيب منزل عائلته من جراء الضربات الجوية التي نفذتها طائرات التحالف في يناير/ كانون الثاني 2016

وقال: “استيقظنا على سقوط النوافذ فوقنا جميعاً… خبأت البنتين تحت السلم… حطمت ضربتان المنزل وحولتاه إلى شظايا… لم يكن هناك مهرب.”

وكانت هذه الضربة، التي استهدفت على ما يبدو منزلاً مدنياً في غياب أي هدف عسكري قريب، واحدة من عشرات من الهجمات الجوية المماثلة التي سُجِّلَت على مدى السنة الأخيرة وخالفت القانون الإنساني الدولي.

واستخدمت قوات التحالف أيضاً بشكل متكرر الذخائر العنقودية، وهي بطبيعتها أسلحة تفتقر إلى التمييز واستخدامها محظور، في هجمات قُتِلَ فيها بعض المدنيين أو بُتِرَت أطرافهم في أماكن من بينها العاصمة صنعاء.

وتقصت منظمة العفو الدولية كذلك ما لا يقل عن 30 هجوماً برياً تتسم بعدم التمييز أو بالتهور شنتها القوات الحوثية والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح في مدينتي عدن وتعز في جنوب البلاد وقُتِلَ فيها ما لا يقل عن 68 مدنياً، من بينهم عشرات الأطفال. واستخدمت قوات الحوثيين وحلفاؤها أسلحة عديمة الدقة مثل قذائف الهاون بشكل يومي في المناطق السكنية في انتهاك للقانون الإنساني الدولي.

ونفذت قوات الحوثيين كذلك عمليات اعتقال واحتجاز تعسفيين واختطاف للأفراد الذين يُعتَقَد أنهم معارضون لها، ومن بينهم بعض النشطاء والصحفيين، وقادت حملة قمع واسعة النطاق للمنظمات غير الحكومية ونشطاء حقوق الإنسان في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

أزمة إنسانية متصاعدة 

سبب الصراع كذلك كارثة إنسانية صار معها الغالبية العظمى من المدنيين اليمنيين معتمدين على المعونات حيث يعانون من شح الغذاء، والمياه النقية، والإمدادات الطبية. وتفاقمت هذه الأزمة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بسبب حصار جوي وبحري جزئي حد بشدة من استيراد الوقود وغيره من الإمدادات الأساسية وتوزيعها.

تؤدي عرقلة وصول المساعدات إلى تفاقم دورة المعاناة الشديدة التي يكابدها المدنيون في كثير من أنحاء البلاد.

جيمس لينش

وفي تعز، منعت جماعة الحوثيين المسلحة والقوات المتحالفة معها دخول الإمدادات الطبية الحيوية والغذاء لشهور كثيرة. وخلال تلك الفترة حوصر كثير من السكان في تعز فعلياً وحُرِمُوا من الضرورات الأساسية، الأمر الذي يُعَد من قبيل العقاب الجماعي للسكان المدنيين.

وقال جيمس لينش: “تؤدي عرقلة وصول المساعدات إلى تفاقم دورة المعاناة الشديدة التي يكابدها المدنيون في كثير من أنحاء البلاد. لا بد لكل أطراف الصراع أن تضمن أن يُتاح للسكان المدنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها الحصول على المساعدات الإنسانية.”