قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن رفع حالة الطوارئ المستمرة منذ سنوات في مصر شابته المحاكمات المستمرة لعشرات المدافعين عن حقوق الإنسان، والنشطاء، والمعارضين السياسيين، والمتظاهرين السلميين المحتجزين تعسفياً، أمام محاكم الطوارئ حيث إن الإجراءات جائرة بطبيعتها.
في 1 نوفمبر/تشرين الثاني، سيمثل المدون والناشط علاء عبد الفتاح، والمحامي الحقوقي ومدير مركز عدالة للحقوق والحريات محمد الباقر، والمدون والناشط محمد إبراهيم (المعروف باسم محمد “أكسجين”)، أمام محكمة أمن الدولة طوارئ لمواجهة تهم ذات دوافع سياسية بـ “نشر أخبار كاذبة من شأنها إضعاف هيبة الدولة والإضرار بأمنها القومي وتكدير الأمن العام وإلقاء الرعب بين الناس” في تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقضى الثلاثة ما يزيد عن عامين في الحبس الاحتياطي التعسفي، في ظروف مروعة، وحُرموا من الاتصال بمحامين على انفراد، والتواصل المنتظم مع عائلاتهم.
وقال فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “يُعتبر رفع حالة الطوارئ خبرًا سارًا من حيث إن السلطات لن تكون قادرة بعد الآن على إحالة القضايا الجديدة إلى محاكم الطوارئ التي تم إنشاؤها بموجبها، إلا أن الخبر يشوبه جانب سيء.
فمن المقرر أن تستمر المحاكمات الحالية أمام هذه المحاكم، علماً أنّ عددها قد تزايد بسبب سلسلة الإحالات الأخيرة لقضايا المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء المحتجزين إلى المحاكم”.
“ولكي تكون هذه خطوة مجدية نحو معالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر، يجب على السلطات الإفراج الفوري، ومن دون قيد أو شرط، عن أولئك الذين يواجهون المحاكمة أمام محاكم الطوارئ لمجرد ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية. ومن بينهم علاء عبد الفتاح، ومحمد الباقر، ومحمد “أكسجين” إبراهيم، الذين قضوا بالفعل ما يزيد عن عامين في السجن لمجرد ممارستهم لنشاطهم السلمي، ودفاعهم عن حقوق الإنسان. كما يجب على السلطات وقف استخدام محاكم الطوارئ تماماً، لأن إجراءاتها تنتهك أبسط معايير المحاكمة العادلة، بما في ذلك حق المتهمين في مراجعة قرارات إداناتهم والأحكام الصادرة بحقهم من قبل محاكم أعلى”.
في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه لن يمدد حالة الطوارئ السارية منذ عام 2017. لكن في الأشهر الثلاثة التي سبقت هذا القرار، أحالت السلطات المصرية ما لا يقل عن 20 من المدافعين عن حقوق الإنسان، والناشطين، والمعارضين السياسيين إلى المحاكمة أمام محاكم الطوارئ.
ويتم تفعيل محاكم أمن الدولة طوارئ في مصر أثناء حالة الطوارئ، لأن قانون الطوارئ يسمح للرئيس بتعيين قضاة في المحاكم، وتحديد الجرائم التي تخضع لاختصاصهم القضائي. وتقوم النيابة بعد ذلك بإحالة جميع القضايا المتعلقة بهذه الجرائم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ، لكنها تفقد قدرتها على ذلك لدى انتهاء حالة الطوارئ. وتنص المادة 19 التي تحكم حالة الطوارئ على أنّه، عند انتهاء حالة الطوارئ، تظل محاكم أمن الدولة مختصة بنظر القضايا التي تكون محالة عليها وتتابع نظرها وفقا للإجراءات المتبعة أمامها.
حوكموا أمام محاكم الطوارئ بتهم زائفة بنشر “أخبار كاذبة”
وتنبثق التهم الموجهة إلى كل من علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر من انتقاداتهما لمعاملة السلطات للسجناء والوفيات المشتبه بها في الحجز، بينما تستند التهم الموجهة إلى محمد “أكسجين” إلى تعليقاته بشأن سجل الحكومة السيء في دعم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. ولا تتضمن أي من تعليقاتهم أي تحريض على العنف أو الكراهية، وبالتالي فهي مكفولة بموجب الدستور المصري والالتزامات الدولية باحترام الحق في حرية التعبير.
بالإضافة إلى محاكمة هؤلاء النشطاء الثلاثة، علمت منظمة العفو الدولية بوجود ما لا يقل عن 143 قضية أخرى نُظر فيها أمام محاكم أمن الدولة طوارئ منذ أن دخلت حالة الطوارئ حيز التنفيذ في أبريل/نيسان 2017، بما في ذلك القضايا المنبثقة فقط عن ممارسة المتهمين السلمية لحقهم في حرية التجمع والتعبير.
ومن بين أولئك الذين يخضعون حاليًا للمحاكمة أمام محاكم أمن الدولة طوارئ بتهمة نشر “معلومات كاذبة”، المدافع عن حقوق الإنسان والطالب باتريك جورج زكي؛ والبرلماني السابق ومحامي حقوق الإنسان زياد العليمي، والصحفيان والسياسيان هشام فؤاد وحسام مؤنس؛ والمدافع عن حقوق الإنسان عزت غنيم؛ والمحامية الحقوقية هدى عبد المنعم، والمرشح الرئاسي السابق لحزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح؛ ونائب رئيس الحزب محمد القصّاص .
ووُضعوا جميعهم رهن الحبس الاحتياطي المطول على ذمة التحقيقات بشأن تهم تتعلق بالإرهاب، بعضهم لأكثر من عامين، وهي المدة القصوى للحبس الاحتياطي التي يسمح بها القانون المصري.
في 22 يونيو/حزيران 2021، أدانت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ الطالب أحمد سمير سنطاوي بتهم نشر “معلومات كاذبة”، وحكمت عليه بالسجن لمدة أربع سنوات عقب محاكمة بالغة الجور، بشأن محتوى تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتتسم الإجراءات أمام محكمة أمن الدولة طوارئ بالجور في طبيعتها. ويُحرم المدعى عليهم من الحق في استئناف إداناتهم وأحكامهم أمام محكمة أعلى. تشمل انتهاكات معايير المحاكمة العادلة، الموثقة الأخرى، الحق في الحصول على الوقت والتسهيلات الكافية لإعداد دفاعهم، والحق في التواصل مع محامٍ من اختيارهم، والحق في جلسة استماع علنية. على سبيل المثال، لم يتمكن علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر من مقابلة محاميهما على انفراد، منذ مايو/أيار.
وعلاوة على ذلك، يرفض القضاة في محكمة أمن الدولة طوارئ بشكل معتاد طلبات المحامين بتصوير ملفات القضايا، والتي تتجاوز في بعض الحالات 2000 صفحة، ويملون عليهم بدلاً من ذلك الاطلاع عليها في المحكمة. كما تقاعست النيابة والقضاة عن تقديم نسخ من لوائح الاتهام للمدعى عليهم ومحاميهم، ما يقوض حقهم في إبلاغهم بالطبيعة الدقيقة للتهم الموجهة إليهم وأسبابها.
الانتقام في الاحتجاز
علاء عبد الفتاح ومحمد “أكسجين” ومحمد الباقر محتجزون في سجن طرة شديد الحراسة 2 في ظروف عقابية ومسيئة تنتهك الحظر المطلق للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.
وعلى عكس السجناء الآخرين، فإن علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر محبوسان في زنازين صغيرة وسيئة التهوية، وممنوعان من التريض، والحصول على الهواء النقي وأي مواد للقراءة.
وينامان على بطانيات على الأرض بدون أسرّة أو مراتب، ما يسبب لهما آلاماً في المفاصل والظهر. وقد تم تجاهل الشكاوى الرسمية المقدمة إلى النيابة بأن هذه المعاملة تشكل انتهاكاً لحقوق السجناء بموجب قانون السجون المصري.
كما تم تجاهل طلب النشطاء الثلاثة للحصول على تطعيم ضد فيروس كوفيد -19، ولم يُسمح لهم بارتداء كمامات، أو استخدام مواد مطهرة، على الرغم من وجودهم في زنازين مكتظة.
وكان التأثير على صحتهم النفسية وخيماً. ففي أغسطس/آب 2021، حاول محمد “أكسجين” الانتحار بعد حرمانه من تلقي الزيارات العائلية، والتمثيل القانوني لأشهر، وفقاً للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية. وعلِمت منظمة العفو الدولية أن علاء عبد الفتاح قد أعرب عن أفكار انتحارية لمحاميه الشهر الماضي، وحُرم من المراسلات المنتظمة مع أسرته.
واختتم فيليب لوثر قائلاً: “إن السلطات المصرية تتهم النشطاء البواسل الذين تجرؤوا على الحلم بمستقبل أفضل لمصر بنشر “معلومات كاذبة” تهدد الأمن القومي. لقد حان الوقت للسلطات لوضع حد للاحتجاز، والمحاكمة، والسجن، ومضايقة المنتقدين، والمعارضين السلميين، والكف عن مساواة حقوق الإنسان السلمية أو النشاط السياسي بالإرهاب”.
لقد حان الوقت للسلطات لوضع حد للاحتجاز، والمحاكمة، والسجن، ومضايقة المنتقدين، والمعارضين السلميين، والكف عن مساواة حقوق الإنسان السلمية أو النشاط السياسي بالإرهاب.
فيليب لوثر، منظمة العفو الدولية
خلفية
في 29 سبتمبر/أيلول، اعتُقل محمد عبد الفتاح، واعتُقل محاميه محمد الباقر في اليوم نفسه من مبنى النيابة حيث ذهب للقاء موكله. عند نقلهما إلى السجن في أكتوبر/تشرين الأول 2019، عصب ضباط السجن عينيّ علاء عبد الفتاح وجردوه من ملابسه وضربوه وركلوه مراراً وتكراراً وعرّضوه، هو ومحمد الباقر، للتهديد والإساءة اللفظية. وتقاعست النيابة العامة عن إصدار الأمر بإجراء تحقيقات.
أما محمد “أكسجين” إبراهيم، فهو معتقل بشكل تعسفي منذ 21 سبتمبر/أيلول 2019.
في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أضافت محكمة جنايات القاهرة بشكل تعسفي علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر إلى “قائمة الإرهاب” لمدة خمس سنوات من دون اتباع الإجراءات القانونية. ويشمل تأثير القرار حظر السفر، ومنع الانخراط في النشاط السياسي والمدني لمدة خمس سنوات.