جنوب السودان: الناجون يصفون عمليات القتل والنزوح الجماعي والرعب في خضم القتال الدائر في ولاية غرب الاستوائية

  • التحليل الحقوقي الأول للموجة الأخيرة للعنف في ولاية غرب الاستوائية
  • مقتل عشرات المدنيين وتهجير أكثر من 80 ألفاً
  • ·          السياسيون أجّجوا نيران التوتر والقتال العرقي

قالت منظمة العفو الدولية اليوم عقب إجراء تحقيق وجهاً لوجه مع الأشخاص ومقابلة عشرات الناجين إن العشرات من المدنيين قتلوا في جنوب السودان واضطر عشرات الآلاف إلى النزوح في أتون القتال الدائر بين الجماعات المسلحة في ولاية غرب الاستوائية بين يونيو/حزيران وأكتوبر/تشرين الأول من هذه السنة.

وتركزت الاشتباكات التي اندلعت بين جماعات محلية متنافسة متحالفة مع قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان التابعة للحكومة من جهة والقوات العسكرية للحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة من جهة أخرى – حول مقاطعة تومبورا

وقد وثّقت منظمة العفو الدولية في التحليل الحقوقي التفصيلي الأول للنزاع جرائم حرب محتملة وانتهاكات أخرى ارتكبها جميع الأطراف ضد أبناء مجموعتي أزاندي وبالاندا العرقيتين الي عاش أفرادهما سابقاً في وئام وتزوجوا بعضهم من بعض طيلة أجيال.

سيلاً من الموت والدمار والانقسامات أعقب إثارة السياسيين للكراهية الإثنية وتعبئتهم الشباب للقتال. وتتحدث الشهادات التي جمعناها عن عنف لا يمكن تصوره، ومن ضمن ذلك مقتل مدنيين أثناء هروبهم وإحراق الجثث والتمثيل فيها.

ديبروز موتشينا، مدير برنامج شرق وجنوب إفريقيا في منظمة العفو الدولية

وقال ديبروز موتشينا، مدير برنامج شرق وجنوب إفريقيا في منظمة العفو الدولية إن “سيلاً من الموت والدمار والانقسامات أعقب إثارة السياسيين للكراهية الإثنية وتعبئتهم الشباب للقتال. وتتحدث الشهادات التي جمعناها عن عنف لا يمكن تصوره، ومن ضمن ذلك مقتل مدنيين أثناء هروبهم وإحراق الجثث والتمثيل فيها”.

وتابع: “إن عدم اقتصار الهجمات على الجماعات المحلية المشاركة – بل شمولها أيضاً لمقاتلين تابعين للقوات الحكومية وقوات المعارضة – يشير إلى أنها أكثر من مجرد عنف عرقي”.

وقد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 76 شخصاً بينهم نازحون داخلياً، وعاملون في المجال الإنساني، ومسؤولون حكوميون، وناشطون وسواهم. وكان خمسون ممن جرت مقابلتهم من مجموعتي أزاندي وبالاندا، وناجون من عرقيات مختلطة أُرغموا على الفرار وكانوا يحتمون في واو، ويامبيو، ومدينة تومبورا بؤرة العنف السابقة.

عمليات الخطف والقتل غير المشروع وغير ذلك من صنوف إيذاء المدنيين

قدّم الناجون وصفاً مرعباً للهروب من نيران الأسلحة العشوائية التي استمرت طيلة ساعات وأشعلت النيران في أحياء بكاملها. وقد وصف ثلاثة عشر شاهداً – اختُطف بعضهم لفترة وجيزة – أحداثاً أقدم فيها المقاتلون من كلا الطرفين على قتل المدنيين على عجل، إما بإطلاق النار عليهم أو شقّ أعناقهم. ويُعد تعمّد استهداف المدنيين وقتل الأسرى جريمتي حرب.

وقد سقطت الرصاصات الطائشة في المنازل ومآوي النازحين داخلياً، فأوقعت إصابات في صفوف المدنيين، من بينهم فتاة عمرها 10 سنوات وثّقت منظمة العفو الدولية قضيتها. وقُتل العديد من المدنيين بينما كانوا يحاولون الهرب إلى مكان آمن أو عقب خروجهم من مخبئهم بحثاً عن الطعام أو ملجأ أفضل. وتحدثت الأغلبية العظمى من النازحين داخلياً الذين أُجريت مقابلات معهم عن فقدان أحد أحبائهم، وفي بعض الحالات أقارب متعددين بسبب العنف.

وقال العديد إنهم شاهدوا جثث مدنيين أُحضرت لدفنها أو على الطريق أثناء هروبهم. وتحد عدة ناجين عن أفراد أسرهم المفقودين والذين افتُرض أنهم توفوا منذ أشهر. وبحسب أرقام الحكومة المحلية قُتل حوالي 300 شخص.

وقد وصفت امرأة عمرها 20 سنة من مجموعة بالاندا العرقية كيف أن ثلاثة رجالاً مسلحين يتحدثون الأزاندية ويغطون وجوههم ظهروا أمام منزلها في بلدة تومبورا ليلة 2 سبتمبر/أيلول وقتلوا زوجها البالغ من العمر 27 عاماً أمام عينيها هي وابنتها البالغة من العمر 3 سنوات. وقالت لمنظمة العفو الدولية: “كنا أنا وزوجي والطفلة نائمين… فدخل أحدهم وأخرج زوجي بالقوة… وأجلسوه بالقرب من الباب وأطلقوا النار عليه… أمام ناظري. فسقط زوجي على الأرض”.

وقالت امرأة أزاندية عمرها 41 عاماً إنها وشقيقة لها أكبر سناً وقعتا في الأسر في البرية في سبتمبر/أيلول بينما كانتا تحاولان الهرب من بلدة تومبورا إلى إيزو بعد أن أُردي شقيقهما بالرصاص. وقد أخذهما رجال مسلحون مع مدنيين آخرين وقعوا أيضاً في الأسر وباشروا بقتل بعضهم.

وقالت “أمرونا بأن نجلس وقالوا إنهم سوف يُقطّعوننا إرباً مثل اليقطين”، وأردفت بأن المقاتلين قيدوا أيديهم خلف ظهروهم ووضعوا ابنها البالغ من العمر 18 شهراً بجانبها. ووضع أحد المقاتلين “ساقه على رأس [شقيقتي] وشقّ عنقها بسكين”، وقد نجت هي وابنها عندما وصلت قوات موالية للأزاندي وبدأت بإطلاق النار على الرجال الذين يحتجزونهم.

أمرونا بأن نجلس وقالوا إنهم سوف يُقطّعوننا إرباً مثل اليقطين. ووضع [أحد المقاتلين] ساقه على رأس [شقيقتي] وشقّ عنقها بسكين.

امرأة أزاندية عمرها 41 عاماً

ووصفت إحدى الشاهدات رؤية مقاتلين وهم يحرقون جثة شقيقها بعد أن قطعوا رأسه في موبوي في شهر أغسطس/آب. وكان زوجها وثلاثة من أطفالها قد خُطفوا وقُتلوا قبل أسابيع. وقالت امرأة أخرى إنها سمعت صرخات شقيقيها وهما يتوسلان ألا يُقتلا، بينما كانت مختبئة في مكان قريب، قبيل أن تشاهد جثتيهما المذبوحتين مع قطع أذن واحدة لكل منهما. وقالت المرأة البالغة من العمر 42 عاماً عن الحادثة التي وقعت في يونيو/حزيران في نابياباي “عندما أتذكر ما فعلوه بشقيقيّ، لا أستطيع النوم ليلاً … وأشعر بخوف شديد، وترتعد فرائصي إذا دنا مني أي شيء”.

ووصف سبعة شهود رؤية جثة ما يبدو أنها واحدة أو أكثر من حالات بقر بطن امرأة حامل وإلى جانبها جنينها المذبوح. وكان ثمانية ناجين ينتحبون لأن جثث أحبائهم تُركت لتتحلل بدون دفنها، ويُعزى ذلك في بعض الحالات إلى أن الرجال المسلحين ينتظرون كما يبدو استهداف كل شخص يعود أدراجه.

وذكر الناجون بأن بعض المسنين الذين لديهم قدرة محدودة على الحركة تُركوا وقُتلوا. ووصف أحد الشهود رؤية رجال مسلحين يضربون حتى الموت امرأة تعاني حالة صحية عقلية قبل أن يضرموا النار بجثتها.

النهب والتدمير

قال معظم الذين أُجريت مقابلات معهم إن منازلهم قد نُهبت أو أُحرقت وتُركت المحاصيل دون حصاد بسبب انعدام الأمان، ما أُثّر في العديد منهم ممن يعتاشون من الزراعة. وتبيّن صور الأقمار الصناعية التي حللتها منظمة العفو الدولية الضرر أو الدمار الواسع النطاق للإنشاءات بين يونيو/حزيران وأكتوبر/تشرين الأول في شتى أنحاء المقاطعة، بما في ذلك في مدينة تومبورا وحولها وموبوي وجوار سورس يوبو.

كذلك عاث رجال مسلحون فساداً في المرافق الصحية ونهبوها، فحرموا بذلك المدنيين من الرعاية الضرورية جداً وانتهكوا القانون الدولي. وأبلغ أحد كبار العاملين في المجال الإنساني منظمة العفو الدولية في نوفمبر/تشرين الثاني أن 13 مرفقاً طبياً من أصل 20 في كافة أنحاء مقاطعة تومبورا باتت غير صالحة للاستعمال عقب تخريبها، أما البقية فهي “بالكاد تعمل”.

وقال عامل إنساني آخر إنه من أصل 53 مدرسة في المقاطعة لم تكن إلا ثمانٍ مفتوحة في وقت إجراء المقابلة في نوفمبر/تشرين الثاني. وقال جميع النازحين تقريباً الذين لديهم أطفال في سن الالتحاق بالمدارس ممن تحدثوا إلى منظمة العفو الدولية إن أطفالهم خارج المدارس منذ أشهر.

احتلّ مقاتلون مؤقتا مدرسة رينزي في بلدة تومبورا. © منظمة العفو الدولية

وقال سبعة شهود لمنظمة العفو الدولية إن المقاتلين الموالين للأزاندي المنتسبين إلى قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان استخدموا مدرسة ابتدائية في بلدة تومبورا كثكنة عسكرية طيلة عدة أسابيع أثناء القتال حتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول عندما أقنعهم أخيراً مسؤولو الحكومة بالمغادرة. ويتعارض هذا الاستخدام للمدارس من جانب جهات فاعلة مسلحة مع إعلان المدارس الآمنة العالمي الذي أيدته حكومة جنوب السودان عام 2015، ويقوض القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

النزوح والأزمة الإنسانية

وفقاً لأرقام الحكومة التي تحققت منها الأمم المتحدة، أجبر القتال ما يزيد على 80,000 شخص على النزوح. وقد انتقل بعضهم إلى مواقع نزوح مؤقتة داخل بلدة تومبورا، بما فيها كنيسة ومخيم يحميه أفراد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، زارتهما منظمة العفو الدولية. وسافر آخرون مسافة جنوباً حتى يامبيو عاصمة الولاية وإلى أقصى الشمال حتى واو في ولاية غرب بحر الغزال، غالباً سيراً على الأقدام مدة تتراوح من ثلاثة إلى عشرة أيام.

هياكل متضررة ومدمرة حول بلدة تومبورا. خريطة الأساس: جوجل إيرث (Google Earth)، © 2021 CNES/Airbus; الصور الداخلية: 17 أكتوبر/تشرين الأول 2021 © 2021 CNES/Airbus

وقد انفصل أفراد الأسر بعضهم عن بعض لدى هروب الناس في اتجاهات مختلفة، مع عدم قدرة البعض حتى الآن على لم شمل أسرهم بعد مضي أشهر. وبقي كثيرون ممن انتقلوا ومعهم فقط الملابس التي يرتدونها– بدون طعام طوال أيام في برية. وقالت امرأة إن ابنتها البالغة من العمر 15 عاماً وضعت طفلها في الطريق، وقالت أخرى إن ابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات توفيت بسبب مضاعفات طبية خلال الرحلة.

وقال نازحون في كلا المخيمين وأبناء المجتمعات المحلية المضيفة إنهم يفتقرون إلى الطعام والأدوية ويعانون أوضاعاً مزرية في الملاجئ، ما شاهده باحثو منظمة العفو الدولية. وقالت الأغلبية العظمى إنها إما لم تتلق أي إغاثة إنسانية أو حصلت على حصة واحدة فقط تكفي 15 يوماً مؤلفة من مواد غذائية أساسية.

طفلي في البيت مريض جداً وليس لدي المال لعلاجه… وليس لدينا طعام، حتى إننا لا نملك المال لدفع بدل الإيجار. سوف نموت من الجوع

مرأة عمرها 42 عاماً، اضطرت على النزوح في يوليو/تموز إلى يامبيو مع سبعة من أطفالها

وقالت امرأة عمرها 42 عاماً، اضطرت على النزوح في يوليو/تموز من مشارف مدينة تومبورا إلى يامبيو مع سبعة من أطفالها إن “طفلي في البيت مريض جداً وليس لدي المال لعلاجه … وليس لدينا طعام، حتى إننا لا نملك المال لدفع بدل الإيجار. سوف نموت من الجوع.”

وقال ناجون إنه برغم صدور بيانات حول انتهاء القتال، فإنهم ظلوا خائفين من المقاتلين الباقين والسياسيين المستمرّين في مناصبهم الذين أثاروا العداء بين الجماعات. وقالوا أيضاً إنه لم يبق لديهم شيء يعودون إليه مع تدمير منازلهم ومحاصيلهم وممتلكاتهم. وقد أضاء كثيرون على حاجتهم الملحة لمساعدة عاجلة، بما فيها المساندة النفسية – الاجتماعية.

وقال ديبروز موتشينا إنه “ينبغي على الحكومة تسريع جهود إعادة البناء. وتيسير المساعدات، وتقديم الخدمات الضرورية للنازحين، وتوفير أوضاع تتيح لهم العودة الآمنة والطوعية والمستدامة، وضمان مساءلة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات”.

ومضى قائلاً إن “العنف الدائر في ولاية غرب الاستوائية هو تذكير آخر صارخ بالحاجة إلى عملية مساءلة متكاملة تشمل الإفصاح عن الحقيقة، وإجراء إصلاحات، وتقديم تعويض، والعمل مع مفوضية الاتحاد الإفريقي لإنشاء المحكمة المختلطة لجنوب السودان. وفي هذه الأثناء يتعين على مجلس الأمن الدولي الإبقاء على حظر الأسلحة الذي يفرضه لوقف تدفق الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة.

خلفية

يُنسب سبب أعمال العنف الأخيرة في ولاية غرب الاستوائية إلى تخصيص الولاية للحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة في مايو/أيار 2020 في إطار اتفاق لتقاسم السلطة عُقد بين أطراف صفقة السلام لعام 2018. وقد اغضب إقدام نائب الرئيس رياك مشار فيما بعد على تعيين حاكم ولاية – الشخصيات البارزة في النخبة السياسية لدى مجموعة أزاندي العرقية.

واستمر العنف في مناطق مختلفة في شتى أنحاء جنوب السودان مثيراً العداوة بين أطراف النزاع – فضلاً عن المجموعات المحلية المتحالفة معهم – برغم تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية في مطلع عام 2020. وتظل نصوص هامة في صفقة السلام – من ضمنها بعض النصوص المتعلقة بالمساءلة والأمن – بدون تطبيق.