في تونس، يكرر الاتحاد الأوروبي خطأ قديمًا وخطيرًا

إيف غيدي هي مديرة مكتب المؤسسات الأوروبية التابع لمنظمة العفو الدولية

نُشر مقال الرأي أولًا في مجلة “بوليتيكو أوروبا”.

في الوقت الذي كان فيه ممثلو ما يسمى بـ”فريق أوروبا” يصافحون الرئيس التونسي قيس سعيّد في يوليو/تموز الماضي، كان المئات من اللاجئين والمهاجرين عالقين في مناطق الحدود الصحراوية بين تونس وليبيا، بعد أن اعتقلتهم قوات الأمن التونسية في هذه المناطق، وتركتهم بلا غذاء ولا ماء ولا مأوى.

وفي وقت لاحق، أشار رئيس كتلة “حزب الشعب الأوروبي” مانفريد ويبر إلى هذه التقارير – بما في ذلك الوفيات العديدة بالقرب من الحدود – بأنها “بعض التسجيلات المصورة من الصحراء أو شيء من هذا القبيل“.

كان الزعماء الأوروبيون موجودين في تونس للتوقيع على مذكرة تفاهم تهدف إلى تقليص الهجرة إلى أوروبا؛ وفي مقابل ذلك، عرضوا على تونس مبلغ 105 ملايين يورو من أجل “إدارة الحدود”، ونحو مليار يورو كقروض ودعم مالي إضافي لتونس في خضم أزمتها الاقتصادية الطاحنة التي لم يسبق لها مثيل.

ولكن بينما تعكف تونس والاتحاد الأوروبي على بحث سبل تنفيذ هذه الصفقة، بدأت تلوح في الأفق تكاليفها البشرية؛ وبينما تتعامى أوروبا عن القمع المستفحل لحقوق الإنسان في هذا البلد، يدفع الناس في تونس – بما في ذلك طالبو اللجوء واللاجئون وغيرهم من المهاجرين – ثمنًا باهظًا.

يجب على الزعماء الأوروبيين وزعماء الاتحاد الأوروبي تغيير مسارهم على وجه السرعة

أولًا، حتى بعد التوصل لاتفاق، استمرت السلطات التونسية في دفع المهاجرين إلى الحدود الليبية قسراً حيث كان الكثيرون يرزحون تحت وطأة الحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية؛ وأفادت وسائل الإعلام العالمية بهلاك الكثيرين منهم. والصادم في الأمر أن زعماء الاتحاد الأوروبي لم يصدروا بعد أي تصريحات علنية تندد بهذه الانتهاكات.

بل إن المفوضية الأوروبية التزمت بالتعاون مع السلطات التونسية لمنع اللاجئين وغيرهم من المهاجرين من الوصول إلى أوروبا، وهي تدرك تمامًا أن هذا المسلك من شأنه أن يديم الانتهاكات نفسها – احتجاز طالبي اللجوء واللاجئين وغيرهم من المهاجرين في أوضاع مؤذية تهدر حقوقهم، وتأجيج مشاعر العداء التي يواجهونها في تونس.

والأمر الذي يبعث على أشد القلق هو أن هذا الاتفاق أُبرم بدون فرض أي شروط تتعلق بحقوق الإنسان، وبلا تقييم أو رصد لآثاره على حقوق الإنسان، وبدون أي آلية لتعليق التعاون عند وقوع انتهاكات. وفي الأسبوع الماضي، أعلن أمين المظالم الأوروبي أنه طلب من المفوضية الأوروبية أن توضح كيف سوف تضمن احترام تونس لحقوق الإنسان.

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي لم يستخلص أي دروس من تعاونه مع ليبيا، وما قدمه من دعم لقوات الأمن الليبية مما جعله متواطئًا في البنية التحتية للانتهاكات ضد المهاجرين واللاجئين، بما في ذلك التعذيب والاغتصاب والإخفاءات القسرية والقتل غير المشروع والاحتجاز التعسفي؛ بل لقد خلص تحقيق أجرته الأمم المتحدة مؤخرًا إلى أن هذه الانتهاكات قد ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية.

وليست الاتفاقيات الرامية لوضع الناس في غير دول الاتحاد الأوروبي كفيلة بإنقاذ الأرواح، ولا هي تفلح في تقليل اعتماد الناس على طرق غير نظامية؛ بل إن المهاجرين يُضطرّون إلى أن يسلكوا طرقًا أخطر، تجنبًا لاعتراض السلطات لهم، بينما يتربح المهرِّبون من ذلك لأن اللاجئين وغيرهم من المهاجرين صاروا أكثر اعتمادًا على خدماتهم. كذلك، لا تجدي مثل هذه الاتفاقيات نفعًا في حل المشكلات التي دفعت الناس للهجرة أصلًا، بحثًا عن الأمن والأمان، وسوف تتكرر هذه المشكلات باستمرار بالرغم مما يتم إبرامه من اتفاقيات. ومن ثم، فقد كان من المخيب للآمال أن تشدد رئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين على الالتزام بالاتفاقية المبرمة مع تونس في “خطتها من عشر نقاط بشأن لامبيدوزا“.

وفضلًا عن ذلك، فإن الاتفاقية التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع تونس تنطوي أيضًا على خطر إضفاء الشرعية على اعتداء سعيّد على سيادة القانون، وقمعه المتصاعد للمعارضة. فخلال الفترة السابقة لتوقيع تلك الصفقة، ازداد صمت الزعماء الأوروبيين بينما قام الرئيس التونسي بتفكيك جميع الضوابط المؤسسية على السلطة التنفيذية تقريبًا، وأصدر مراسيم تكبل حرية التعبير وتمنح الرئيس سلطات على السلطة القضائية. وأخضعت السلطات التونسية العشرات من المنتقدين والمعارضين والمحامين والصحفيين والقضاة للتحقيق الجنائي التعسفي والتدابير المقيدة، أو زجت بهم في السجون.

وفي الآونة الأخيرة، رفضت تونس السماح لخمسة من أعضاء البرلمان الأوروبي بدخول البلاد، كانوا يعتزمون القيام بزيارة لتونس في مهمة رسمية. وكان من بينهم النائبان ساتوري وغالر اللذان انتقدا الاتفاقية في السابق بسبب القمع في تونس. ويعتقد الكثيرون أن هذا الرفض كان ردًا انتقاميًا.

وبعد أن كانت تونس ذات يوم هي قصة النجاح الباهر في مظاهرات الربيع العربي، ومركزًا سابقًا للمدافعين عن حقوق الإنسان من شتى أنحاء شمال إفريقيا، أصبح الخوف الآن أن تسير على خطى مصر التي حوّلها رئيسها عبد الفتاح السيسي إلى سجن مفتوح، وهو يشرف على إفقار الملايين من المصريين؛ ولقد التزم زعماء الاتحاد الأوروبي الصمت إلى حد بعيد أثناء قمعه الوحشي بينما راح السيسي يسد طرق الهجرة من مصر إلى أوروبا، مما اضطر الآلاف من المصريين للهجرة عبر طريق ليبيا المهلك بدلًا من الطرق الأخرى المسدودة.

وختامًا، لعل علم المفوضية الأوروبية بأن الاتفاقية من شأنها أن تفاقم خطر انتهاكات حقوق الإنسان ضد المهاجرين واللاجئين هو الذي حدا بها للتفاوض على مذكرة التفاهم في إطار من السرية؛ فلقد جرت المفاوضات بمعزل عن أي تمحيص من جانب البرلمان الأوروبي أو البرلمانات الوطنية أو أي مشاركة من المجتمع المدني.

هذا الافتقار للشفافية يحد من شرعية سياسات الهجرة الأوروبية.

إذا كان الاتحاد الأوروبي حريصًا على ألا يصبح متواطئًا في انتهاكات حقوق الإنسان وقمعها، فلا بد أن يكون تعامله مع أي شركاء بشأن الهجرة مرهونًا بشروط صارمة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وبتقييم الآثار ورصدها. نحن بحاجة لنهج متوازن يوسِّع ممرات الهجرة الآمنة بصورة مجدية، ويركِّز على حماية الناس بدلًا من احتوائهم.

غير أن الاتفاقية المبرمة مع تونس لا تستوفي أيًا من هذه الشروط؛ ومن ثم ينبغي تعليق العمل بمذكرة التفاهم؛ كما يجب على الاتحاد الأوروبي العمل على تعزيز قضاء مستقل، وإعلام حر، ومجتمع مدني ينبض بالحيوية والنشاط في تونس.

أما منطق “تصدير الحدود” – الذي تعد مذكرة التفاهم مع تونس مجرد مثال واحد من أمثلته – فهو غير أخلاقي لأبعد الحدود، ومحفوف بالأخطار، وقد يكون غير قانوني. ولم يفت الأوان بعد لأن يغير زعماء الاتحاد الأوروبي مسارهم، ويتعلموا من الاتفاقيات السابقة التي أدت بالفعل إلى معاناة هائلة.