إسرائيل/الأراضي الفلسطينية المحتلة: يجب على إسرائيل وضع حد لتعذيب الفلسطينيين في سجونها وعزلهم عن العالم الخارجي

  • استخدام قانون إسرائيلي ينتهك حقوق الإنسان لاحتجاز الفلسطينيين من غزة تعسفًا لأجل غير مسمى بدون تهمة أو محاكمة
  • قانون المقاتلين غير الشرعيين يسمح بعزل المحتجزين عن العالم الخارجي ويجيز الإخفاء القسري، ولا بد من إلغائه
  • شهادات مروعة عن التعذيب من 27 معتقلًا سابقًا، من بينهم صبي عمره 14 سنة

قالت منظمة العفو الدولية إن على السلطات الإسرائيلية الكفّ عن احتجاز الفلسطينيين من قطاع غزة المحتل بمعزل عن العالم الخارجي ولأجل غير مسمى، وبدون تهمة أو محاكمة، بموجب قانون المقاتلين غير الشرعيين، في انتهاك صارخ للقانون الدولي. 

وقد وثقت المنظمة حالات 27 من الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم، من بينهم خمس نساء و21 رجلًا، وصبي في الرابعة عشرة من عمره، احتجزوا لمدد بلغ أقصاها أربعة أشهر ونصف الشهر، من دون السماح لهم بالاتصال بمحامٍ أو بذويهم، في إطار القانون المذكور. وقال جميع مَن تحدثت إليهم منظمة العفو الدولية إن قوات الجيش أو الاستخبارات أو الشرطة الإسرائيلية، أخضعتهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أثناء احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي، وبلغ ذلك في بعض الحالات حد الإخفاء القسري.

ويمنح قانون المقاتلين غير الشرعيين الجيش الإسرائيلي صلاحيات جارفة تمكنه من احتجاز أي شخص من غزة يشتبه في انخراطه في أعمال عدائية ضد إسرائيل، أو في تشكيله خطرًا يهدد أمن الدولة، لفترات قابلة للتجديد لأجل غير مسمى، دون الحاجة لتقديم دليل يثبت صحة هذه المزاعم.

وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “إذا كان القانون الدولي الإنساني يجيز احتجاز الأفراد الواقعين تحت الاحتلال لأسباب أمنية قهرية، فلا بد من توفير ضمانات لمنع الاحتجاز لأجل غير مسمى أو الاحتجاز التعسفي، ومنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة بيد أن هذا القانون يفتقر على نحو صارخ إلى مثل هذه الضمانات، إذ يسمح بتفشي التعذيب، وفي بعض الظروف، يمأسس الإخفاء القسري”.  

وأضافت أنياس كالامار قائلةً: “يوضّح توثيقنا استخدام السلطات الإسرائيلية لقانون المقاتلين غير الشرعيين لاعتقال المدنيين الفلسطينيين من غزة بالجملة وبصورة تعسفية، ثم الزج بهم في غياهب السجون لفترات مطوّلة، كما ولو أنهم يُلقَوْنَ في ثِقبٍ أسود، من دون تقديم أي دليل على أنهم يشكلون خطرًا على الأمن، وبدون اتباع الحد الأدنى من الإجراءات القانونية الواجبة. يجب على السلطات الإسرائيلية إلغاء هذا القانون على الفور والإفراج عمن تحتجزهم بصورة تعسفية بموجب أحكامه”.

يوضّح توثيقنا استخدام السلطات الإسرائيلية لقانون المقاتلين غير الشرعيين لاعتقال المدنيين الفلسطينيين من غزة بالجملة وبصورة تعسفية، ثم الزج بهم في غياهب السجون لفترات مطوّلة، كما ولو أنهم يُلقَوْنَ في ثِقبٍ أسود، من دون تقديم أي دليل على أنهم يشكلون خطرًا على الأمن، وبدون اتباع الحد الأدنى من الإجراءات القانونية الواجبة.

أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية

وتطالب منظمة العفو الدولية بإيلاء معاملة إنسانية لجميع الأسرى بموجب قانون المقاتلين غير الشرعيين، بمن فيهم الأشخاص المشتبه في انتمائهم لجماعات مسلحة، والسماح لهم بالاتصال بالمحامين وهيئات الرصد والمراقبة الدولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر. أما الأشخاص المشتبه في مسؤوليتهم عن جرائم بموجب القانون الدولي، فلا بد من تقديمهم للمحاكمة وفقًا للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، في حين يجب الإفراج فورًا عن جميع المدنيين المعتقلين تعسفًا وبدون تهمة أو محاكمة.

وقد أبلغت مصلحة السجون الإسرائيلية مركز الدفاع عن حقوق الفرد، أن 1402 من الفلسطينيين كانوا أسرى بموجب قانون المقاتلين غير الشرعيين حتى 1 يوليو/تموز 2024. ويُستثنى من هذا العدد أولئك المحتجزون لمدة 45 يومًا وهي فترة أولية يتيحها القانون لاحتجاز الفلسطينيين من غزة بدون أمر رسمي.

وخلال الفترة بين فبراير/شباط ويونيو/حزيران 2024، وثقت منظمة العفو الدولية 31 من حالات الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، ووجدت أدلة موثوقة عن استخدام التعذيب وسوء المعاملة على نطاق واسع. وأجرت المنظمة مقابلات مع 27 من الأسرى المفرج عنهم، وكلهم مدنيون ألقي القبض عليهم في قطاع غزة المحتل. كما تحدّثت المنظمة إلى أربعة من أقارب مدنيين مغيّبين منذ فترات بلغ أقصاها سبعة أشهر، ولم تكشف السلطات الإسرائيلية بعد عن مكان احتجازهم، وإلى محاميَيْن تمكنا مؤخرًا من زيارة الأسرى. 

وألقى الجيش الإسرائيلي القبض على هؤلاء الأسرى في مواقع من مختلف أنحاء غزة، من بينها مدينة غزة وجباليا وبيت لاهيا وخان يونس، في مدارس تؤوي المهجرين قسرًا داخل القطاع أو أثناء مداهمات للمنازل والمستشفيات أو على حواجز التفتيش المنشأة حديثًا. ثم نُقلوا إلى إسرائيل، حيث احتُجزوا لفترات تتراوح بين أسبوعَيْن ونحو 140 يومًا داخل مرافق للاحتجاز يديرها الجيش أو مصلحة السجون الإسرائيلية.

وكان من بين الأسرى أطباء أُلقي القبض عليهم في المستشفيات لرفضهم التخلي عن مرضاهم وأمهات فُصلن عن أطفالهن الرضع وهن يحاولن عبور ما يُسمى “الممر الآمن” من شمال غزة إلى الجنوب ومدافعون حقوقيون وموظفون في الأمم المتحدة وصحفيون، وغيرهم من المدنيين.

وقال جميع مَن تحدثت إليهم منظمة العفو الدولية إنهم أخضعوا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

وقالت أنياس كالامار: “إن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك العنف الجنسي، هي جرائم حرب. ويجب إخضاع هذه الادعاءات لتحقيقات مستقلة يقوم بها مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. وهذا أمر بالغ الأهمية نظرًا للتقاعس الموثق للسلطات القضائية الإسرائيلية عن إجراء تحقيقات جديرة بالثقة بشأن ادعاءات التعذيب التي قدمها فلسطينيون في الماضي. ويجب على السلطات الإسرائيلية أيضًا السماح للمراقبين المستقلين، فورًا وكم دون أي قيود، بالوصول إلى جميع منشآت الاحتجاز، وهو أمر لا يزال ممنوعًا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول”.

احتجاز فلسطينيين من غزة بموجب القانون

استُخدم قانون المقاتلين غير الشرعيين، الذي سُنَّ عام 2002، للمرة الأولى منذ خمس سنوات، في أعقاب الهجمات المروعة التي شنتها حماس وغيرها من الجماعات المسلحة في 7 أكتوبر/تشرين الأول في جنوب إسرائيل.

واستندت السلطات الإسرائيلية للقانون أساسًا لاحتجاز أفراد زُعمت مشاركتهم في هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولكن لم تلبث أن وسّعت استخدام القانون لاحتجاز فلسطينيين من غزة بالجملة بلا تهمة ولا محاكمة. وأدى عدم اتباع الإجراءات القانونية الواجبة إلى احتجاز مدنيين ومشاركين بصورة مباشرة في الأعمال العدائية على حد سواء بموجب هذا القانون.

وخلال الأيام الـ45 الأولى من الاحتجاز، يمكن للجيش تغييب الفلسطينيين من غزة بدون إصدار أمر رسمي بالاحتجاز. ويحرم القانون الأسرى من الاتصال بمحامٍ لمدة قد تصل إلى 90 يومًا، مما يضفي الشرعية على الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، الذي يتيح بدوره التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

ويتعين مثول الأسرى أمام قاضٍ للمراجعة القضائية في غضون فترة أقصاها 75 يومًا من تاريخ احتجازهم، ولكن جرت العادة أن يصادق القضاة تلقائيًا على أمر الاحتجاز في إجراءات قضائية صورية.

ولا ينص القانون على حد أقصى لمدة الاحتجاز، بل يسمح لأجهزة الأمن باحتجاز الأشخاص بموجب أوامر احتجاز قابلة للتجديد لأجل غير مسمى.

القانون المعدل يسهِّل الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي

سنّ البرلمان الإسرائيلي قانون المقاتلين غير الشرعيين عام 2002 للسماح بتمديد احتجاز مواطنَيْن لبنانيَيْن، لا يخضعان للولاية القضائية الإسرائيلية، بدون تهمة أو محاكمة. ومنذ “فك ارتباطها” أحادي الجانب عن قطاع غزة المحتل في 2005، استخدمت إسرائيل هذا القانون لاحتجاز أشخاص من غزة ممن تعدهم خطرًا يهدد أمنها القومي لفترات قابلة للتجديد لأجل غير مسمى.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، أصدرت السلطات الإسرائيلية تعديلًا مؤقتًا للقانون، يقضي بتمديد الفترة المسموح للجيش فيها باحتجاز الفلسطينيين بدون أمر احتجاز رسمي من فترة 96 ساعة كبداية (قابلة للتمديد إلى 7 أيام) إلى مدة أقصاها 45 يومًا.

ويقضي التعديل كذلك بزيادة المدة القصوى لاحتجاز شخص ما قبل مثوله أمام أحد القضاة للنظر في أمر الاحتجاز من 14 يومًا إلى 75 يومًا، وتمديد الفترة التي يمكن احتجاز شخص خلالها بدون رؤية محامٍ من 21 يومًا إلى مدة أقصاها ستة أشهر، خُفّضت لاحقًا إلى ثلاثة أشهر. ومُدّد التعديل مرة أخرى في أبريل/نيسان 2024.

وتُحجب الأدلة التي تبرر الاحتجاز عن الأسير ومحاميه على حد سواء، وبالتالي، يقبع كثيرون من الأسرى شهورًا في الحبس دون أدنى فكرة عن سبب احتجازهم، مما يشكل انتهاكًا للقانون الدولي، ويُعزلون بالكامل عن عائلاتهم وأحبائهم، عاجزين عن الطعن في أسباب احتجازهم.

وقال أسيران أُفرج عنهما لمنظمة العفو الدولية إنهما قد مثلا أمام أحد القضاة مرتين في جلسات استماع عن بعد، وفي كلتا المرتين، لم يكن بمقدورهما التحدث أو طرح أسئلة. وبدلًا من ذلك، أُبلغا بتمديد احتجازهما لمدة 45 يومًا إضافيًا. ولم يبلغهما أحد قط بالخلفية القانونية لاعتقالهما، ولا بأي أدلة قدمت ضدهما لتبرير اعتقالهما.

وبعد أن قدم مركز الدفاع عن حقوق الفرد التماسًا للمحكمة العليا الإسرائيلية بالنيابة عن فني أشعة من خان يونس محتجز لدى السلطات الإسرائيلية، أبلغ الجيش المحكمة في مايو/أيار 2024 أن بمقدور المحامين التقدم بطلب لزيارة الأسرى من غزة بعد مضي 90 يومًا على احتجازهم.  ومنذ ذلك الحين، لم توافق السلطات إلا على عدد محدود جدًا من مثل هذه الطلبات.

وبالإضافة إلى حرمان الأسرى من الاتصال بمحامين، فإنهم معزولون أيضًا عن عائلاتهم. ووصف الأقارب لمنظمة العفو الدولية العذاب الذي يقاسونه بسبب فصلهم عن أحبائهم، والحياة في خوف دائم من أن يكتشفوا وفاتهم في السجن.

ومن بين هؤلاء آلاء مهنا التي احتُجز زوجها أحمد مهنا، مدير مستشفى العودة، أثناء هجوم على المستشفى في 17 ديسمبر/كانون الأول 2023؛ وقالت لمنظمة العفو الدولية إن المعلومات الشحيحة التي تتلقاها عنه تأتي من أسرى آخرين أفرج عنهم؛ وأضافت قائلة: “بطمّن الأولاد أنه أحمد بخير، وأنه قرب يرجع. بس إنك تعيشي حرب، ونزوح مستمر وقصف وفوق كل هذا مش عارفة زوجك وينو، مش قادرة تسمعي صوته، فبتحسي إنها حرب جوا حرب”.  

وقال طبيب أفرج عنه لمنظمة العفو الدولية إن عدم معرفته أثناء احتجازه إذا كان أفراد عائلته أحياء أم أمواتًا كان بالنسبة له “أسوأ حتى من التعذيب والتجويع”.

التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة

تسهّل الفترات المطولة من الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي التعذيب عن طريق استبعاد أي رصد للوضع الصحي للأسرى، وأي تواصل معهم. 

ووصف الأسرى الـ 27 المفرج عنهم، الذين أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات معهم، على نحو متسق تعرضهم للتعذيب مرة واحدة على الأقل أثناء اعتقالهم ولاحظت المنظمة آثارًا وكدمات تتوافق مع آثار التعذيب على أجساد ثمانية على الأقل من الأسرى الذين أجريت مقابلات شخصية معهم، واطلعت كذلك على تقارير طبية لاثنين من الأسرى تؤكد شهادات التعذيب.

وقد تحقق مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية مما لا يقل عن خمسة مقاطع فيديو لاعتقالات جماعية، وحدّد مواقعها الجغرافية، ومن بينها مقاطع لأسرى جُرّدوا من ثيابهم بالكامل عدا ملابسهم الداخلية بعد اعتقالهم من شمال غزة وخان يونس. والإجبار على التعري في العلن لفترات طويلة هو انتهاك لتحريم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، ويُعدُّ عنفًا جنسيًا.

وقال الأسرى في معسكر الاعتقال سيء الصيت “سديه تيمان”، التابع للجيش الإسرائيلي بالقرب من بئر السبع جنوبي إسرائيل، إنهم ظلوا معصوبي الأعين ومكبّلي الأيدي طوال فترة احتجازهم في المعسكر. ووصفوا كيف أجبروا على البقاء في وضعيات مجهدة ساعات طويلة، ومنعوا من التحدث إلى بعضهم البعض أو رفع رؤوسهم. وتتوافق هذه الإفادات مع النتائج التي خلصت إليها منظمات حقوقية أخرى وهيئات تابعة للأمم المتحدة، فضلًا عن الكثير من التقارير، بناءً على روايات كاشفي انتهاكات وأسرى مفرج عنهم.

ومن بين مَن تحدثت إليهم منظمة العفو الدولية أسير أفرج عنه في يونيو/حزيران بعد أن ظل محتجزًا في بَرَكس عسكري (كرفان) لمدة 27 يومًا مع ما لا يقل عن 120 شخصًا آخر؛ وقال للمنظمة إن الجنود الإسرائيليين كانوا يضربون الأسرى أو يطلقون عليهم الكلاب لمجرد أنهم تحدثوا مع أسير آخر، أو رفعوا رؤوسهم، أو غيّروا وضعيتهم.

ومن هؤلاء أيضًا سعيد معروف، وهو طبيب أطفال، عمره 57 عامًا، اعتقله الجيش الإسرائيلي أثناء اقتحام المستشفى الأهلي المعمداني في مدينة غزة، في ديسمبر/كانون الأول 2023، واحتجزه لمدة 45 يومًا في معسكر “سديه تيمان”؛ وقال لمنظمة العفو الدولية إن حراس المعتقل أبقوه معصوب العينين ومقيد اليدين طوال فترة احتجازه، ووصف ما كابده من التجويع والضرب المتكرر والإجبار على الجثو على ركبتيه لفترات طويلة.

وفي حالة أخرى، اعتقل الجيش الإسرائيلي فتى في الرابعة عشرة من عمره من منزله في جباليا، شمالي قطاع غزة، في 1 يناير/كانون الثاني 2024 واحتجزه لمدة 24 يومًا في معسكر “سديه تيمان”، مع ما لا يقل عن 100 من الأسرى البالغين في بركس واحد. وقال لمنظمة العفو الدولية إن المحققين العسكريين أخضعوه للتعذيب، بما في ذلك الركل واللكم في العنق والرأس. وقال إنهم أحرقوه مرارًا بأعقاب السجائر. وكانت آثار الحروق بالسجائر والكدمات بادية للعيان على جسد الفتى عندما أجرت منظمة العفو الدولية مقابلة معه في 3 فبراير/شباط 2024 في المدرسة التي كان يأوي إليها هو والعائلات المهجّرة الأخرى. وأثناء احتجازه، لم يسمح له الجيش بالاتصال بعائلته أو رؤية محامٍ، وظل معصوب العينين ومقيد اليدين.

وفي 5 يونيو/حزيران، أعلنت السلطات الإسرائيلية عن خطط لتحسين ظروف الاحتجاز في معسكر “سديه تيمان” التابع للجيش، والحد من عدد الأسرى في الموقع، استجابةً لالتماس مقدم من منظمات حقوق إنسان إسرائيلية، تطالب فيها بإغلاق المعسكر، ولكن بعد مضي أكثر من شهر على ذلك، قلّما تغيّر الوضع.

وفي 19 يونيو/حزيران، تمكن المحامي خالد محاجنة من دخول معسكر “سديه تيمان” وقال لمنظمة العفو الدولية إن موكله محمد عرب، وهو صحفي محتجز، أبلغه بأنه محتجز مع ما لا يقل عن 100 شخص في نفس البركس، في ظروف غير إنسانية، وأن الأسرى لم يلمسوا أي تحسن على الإطلاق خلال الأسبوعين الماضيين. وقال أيضًا إنه ظل محتجزًا في معسكر “سديه تيمان” لأكثر من 100 يوم بدون أن يعرف السبب.

وفي 3 يونيو/حزيران، أكد الجيش الإسرائيلي لصحيفة هآرتس أنه يحقق في وفاة 40 أسيرًا أثناء احتجازهم في إسرائيل، ومن بينهم 36 لقوا حتفهم أو قتلوا في “سديه تيمان”. ولم تصدر أي لوائح اتهام بعد. ولا يشمل هذا العدد الأسرى الذين لقوا حتفهم أو قتلوا في مرافق الاحتجاز التابعة لمصلحة السجون الإسرائيلية.

النساء الأسيرات

كان من بين الأسرى المفرج عنهم الذين أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات معهم خمس نساء احتجزن جميعًا أكثر من 50 يومًا بمعزل عن العالم الخارجي. واحتُجزن أول الأمر في معسكر احتجاز للنساء في عناتوت، في مستوطنة إسرائيلية غير قانونية بالقرب من القدس في الضفة الغربية المحتلة، ثم في سجن الدامون للنساء في شمال إسرائيل، الخاضع لسيطرة مصلحة السجون الإسرائيلية. ولم تُبلغ أي من النساء الخمس بالأسباب القانونية لاعتقالهن ولم تمثل أي منهن أمام قاضٍ. ووصفن جميعًا ما تعرضن له من الضرب قبل نقلهن إلى المعسكر.

وقالت إحداهن إنها اعتُقلت من منزلها في 6 ديسمبر/كانون الأول، وفُصلت عن طفلَيْها الصغيرين، طفلة في الرابعة من عمرها ورضيع لم يتجاوز تسعة أشهر، واحتُجزت أول الأمر مع المئات من الرجال. واتُهمت بأنها عضو في حركة حماس، واعتُدي عليها بالضرب، وأُجبرت على خلع حجابها، والتُقطت لها صورة فوتوغرافية بدونه. ووصفت أيضًا العذاب الذي تعرّضت له إذ أوهموها بأنهم أعدموا زوجها؛ قالت:

“بثالث يوم أخذونا بجورة وصاروا يرموا علينا رمل. وبعدين عمل الجندي طلقين بالهوا وقلي إنه قتلنا زوجك، فصرت أعيط وانهرت وصلت أقلهن طخّوني طُخّوني ترجّيته يقتلني ويريحني من هذا الكابوس”. 

بثالث يوم أخذونا بجورة وصاروا يرموا علينا رمل. وبعدين عمل الجندي طلقين بالهوا وقلي إنه قتلنا زوجك، فصرت أعيط وانهرت وصلت أقلهن طخّوني طُخّوني ترجّيته يقتلني ويريحني من هذا الكابوس.

أسيرة سابقة

وقالت امرأة أخرى من المفرج عنهن لمنظمة العفو الدولية: “طول الوقت كنت أتحسر على أولادي”؛ وقالت إن حراس السجن تجاهلوا توسلاتها المتكررة بإعطائها أي معلومات عن أطفالها، وسمعتهم يسخرون منها.

وقالت لمنظمة العفو الدولية إنها أمضت ثلاثة أسابيع في سجن الدامون، ثم أُبلغت أنهم سيطلقون سراحها. وحينها كبّل الحراس يديها وقيدوا قدميها بالأغلال، وعصبوا عينيها، ثم نقلوها إلى موقع آخر. ولدى وصولها إلى هذا الموقع، بدلًا من الإفراج عنها، فتشها الحراس على نحو عنيف بعد تجريدها من ثيابها باستخدام سكين كبيرة مزقوا بها ثيابها. وبعد ذلك، أعيدت إلى عناتوت حيث ظلت أسيرة لمدة 18 يومًا آخر.

وقالت لمنظمة العفو الدولية إن الجنود هددوها قائلين: “زي ما عملت حماس ح نغتصبكم ونخلي الجندي يغتصبكم”. ولم يبلغها أحد قط بسبب احتجازها.

وقالت هي وغيرها من الأسرى الذين تحدثت إليهم منظمة العفو الدولية إنهم نقلوا إلى موقع بالقرب من معبر كرم أبو سالم، واضطروا للسير على الأقدام أكثر من نصف ساعة حتى وصلوا نقطة خاصة بالأسرى المفرج عنهم تديرها اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وقال جميع الأسرى المفرج عنهم إن كل أو جل متعلقاتهم لم تُرَد إليهم بعد، بما في ذلك هواتفهم ومجوهراتهم ونقودهم.

خلفية

أعربت منظمة العفو الدولية عن لقها البالغ بشأن استخدام إسرائيل لقانون المقاتلين غير الشرعيين وانتهاكه القانون الدولي لحقوق الإنسان في تقرير أصدرته عام 2012 بعنوان محرومون من العدالة:الفلسطينيون المعتقلون من قبل إسرائيل دون محاكمة. وكما يوضح ذلك التقرير بالتفصيل، فقد سبق لإسرائيل أن نكصت عن الوفاء بالتزاماتها بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وذكر التقرير بأن إسرائيل لا تزال في حالة طوارئ معلنة منذ تأسيسها، ويستمرّ تنصلها حتى اليوم. غير أن القانون الدولي الإنساني، الذي لا يجوز بأي حال عدم التقيد بأحكامه، يستوجب احترام الحق في محاكمة عادلة في جميع الظروف والأحوال. وفضلًا عن ذلك، فإن المادة 4(2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تحظر المساس بحقوق معينة في العهد الدولي، حتى أثناء حالات الطوارئ، ومن بينها الحق في عدم التعرض للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (المادة 7). ولذا فإن الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، وعدم تلقي محاكمة عادلة، والتعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، يشكل انتهاكًا للقانون الدولي، حتى في حالة الطوارئ.

وبالإضافة إلى هذا القانون، فإن لدى السلطات الإسرائيلية تاريخًا مشينًا من احتجاز الفلسطينيين بدون تهمة أو محاكمة من خلال استخدامها الممنهج للاعتقال الإداري، وهو من التجليات الرئيسة لنظام الأبارتهايد الذي تفرضه إسرائيل. ووفقًا لمركز الدفاع عن حقوق الفرد، بلغ عدد المعتقلين إداريًا في السجون الإسرائيلية 3379 شخصًا في 1 يوليو/تموز 2024 غالبيتهم الساحقة فلسطينيون من الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.