أزمة اللاجئين: إغلاق حدود البلقان يعرض الآلاف للتمييز ويتركهم عالقين في اليونان

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن القواعد الجديدة للسيطرة على الحدود التي طبقت في وقت شبه متزامن من قبل حكومات مقدونيا وصربيا وكرواتيا على مدى الساعات الثماني والأربعين الماضية أدت إلى تجدد انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع، بما في ذلك الطرد الجماعي والتمييز على أساس الجنسية ضد من يعتقد أنهم مهاجرون لأسباب اقتصادية أو لاجئون.

وقد رصدت المنظمة كيف أدت التدابير الجديدة المفروضة عبر هذا الطريق منذ 18 نوفمبر/تشرين الثاني إلى حرمان الكثيرين من الاستفادة من إجراءات اللجوء وتركت الآلاف عالقين في ظروف بائسة على المعابر الحدودية بين اليونان ومقدونيا.

وقال جون دالهويسن مدير قسم أوروبا وآسيا الوسطى بمنظمة العفو الدولية “إن تلك السلسة المقلقة للغاية من الأحداث أدت من جديد إلى جعل الآلاف كالعالقين في البرزخ، لا لشيء سوى كونهم أبناء البلدان التي ينتمون إليها أصلا. ففي نفس الوقت الذي تعهدت فيه الحكومات في البلقان وأوروبا بمزيد من االعمل عن كثب لتحسين الأوضاع الأمنية وإمكانية الوصول إلى اللجوء على طريق البلقان، فإن ما حدث هو العكس”.

إن تلك السلسة المقلقة للغاية من الأحداث أدت من جديد إلى جعل الآلاف كالعالقين في البرزخ، لا لشيء سوى كونهم أبناء البلدان التي ينتمون إليها أصلا. ففي نفس الوقت الذي تعهدت فيه الحكومات في البلقان وأوروبا بمزيد من االعمل عن كثب لتحسين الأوضاع الأمنية وإمكانية الوصول إلى اللجوء على طريق البلقان، فإن ما حدث هو العكس.

جون دالهويسن، مدير قسم أوروبا وآسيا الوسطى بمنظمة العفو الدولية

“يبدو أن هذه الحكومات تحركت دون أن تفكر جيدا في تبعات تحركها على الآلاف من الناس، الذين باتوا الآن عالقين في ظروف غير مواتية لحد فادح بلا مكان يلجئون إليه، وفي ظل شح المساعدات الإنسانية للغاية. وهذا الوضع لن يسفر إلا عن دفع هؤلاء العالقين إلى الوقوع من جديد في أيدي المهربين. ومع توافد الآلاف غيرهم على الطريق، أصبحت الحاجة ماسة إلى التحرك العاجل للحيلولة دون تفاقم هذه الكارثة”.

إرجاع المهاجرين والتمييز بينهم

في ليلة 18 نوفمبر/تشرين الثاني، غيرت كل من مقدونيا وصربيا وكرواتيا من طرق إدارة الحدود فجأة وبدون سابق إنذار وفي وقت متزمن تقريبا.

وكانت مقدونيا هي أول من تحرك عندما رفضت السماح بدخول أي شخص ما لم تكن لديه أوراق تثبت أنه أصلا من أفغانستان أو العراق أو سوريا. معنى هذا أن المئات أصبحوا عالقين إما لأنهم ينتمون لبلدان أخرى مثل إيران وسريلانكا والسودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وباكستان، وإما لأنهم لا يحملون أوراق هوية. ولا زالت شرطة الحدود اليونانية في قرية إيدوميني تمنع مواطني أي دولة غير أفغانستان والعراق وسوريا من المغادرة على أساس أن مقدونيا لن تسمح لهم بالدخول.

وفي الساعة الحادية عشرة صباح أمس قامت السلطات المقدونية بإغلاق الحدود فجأة أمام جميع الجنسيات، وتركتها مغلقة طوال الليل أيضا حتى تم فتح الحدود ثانية في الصباح التالي، ولكن أمام مواطني سوريا وأفغانستان والعراق فقط الذين أصبحوا يعبرون بمعدل نحو 50 شخصا فقط في الساعة. وثمة تواجد كثيف للشرطة المقدونية على الحدود.

وطبقا لما أفاد به العاملون في المنظمة الإنسانية غير الحكومية “أطباء بلا حدود” الموجودة في موقع الأحداث، فقد نام نحو ستة آلاف في العراء عند قرية إيدوميني ليلة أمس، بعد أن كان العدد يبلغ 1500 في اللية السابقة. ومن المتوقع أن يؤدي وصول الآلاف غيرهم هذا المساء إلى تضخم الحشد حتى يبلغ ثمانية آلاف شخص مضطرين للمكوث في إيدوميني هذه الليلة، وذلك طبقا لمنظمة “أطباء بلا حدود”. وجدير بالذكر أن تجهيزات الإيواء الموجودة هناك تكفي 900 فرد فقط، في حين أن مركز الاستقبال في غيفغيليجا على الجانب المقدوني من الحدود خال ولا يستخدمه أحد.

وقد تولت الجماعات المحلية المتضامنة مع المهاجرين ومعها إحدى المنظمات غير الحكومية توفير الغذاء في إيدوميني بينما قامت مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين ومنظمة “انقذوا الأطفال” بعملية توزيع الوجبات. ويوجد حاليا نحو عشرة من العاملين بالمفوضية في الموقع، وتعد المفوضية لزيادة مواردها هناك.

وإذا كانت السلطات اليونانية قد أرسلت تعزيزات شرطية فقد لاحظت منظمة العفو الدولية أن السلطات ما زالت غير قادرة على دعم الاحتياجات الإنسانية.

كما أنه من الواضح أن هناك توترات فيما بين الجنسيات المختلفة؛ ففي 19 نوفمبر/تشرين الثاني قامت مجموعة من نحو 200 من الرعايا الإيرانيين بالتظاهر على شريط للسكة الحديد وقطع الطريق أمام قطار يحمل رعايا سوريين إلى مقدونيا.

الإغلاق المتزامن للحدود

في ليلة 18 نوفمبر/تشرين الثاني، بدأت مسئولو الحدود الصربيون أيضا في فرز القادمين حسب الجنسية، وسمحوا لذوي الأصول الأفغانية والعراقية والسورية فقط بالمرور. وقاموا بطرد نحو 200 شخص تمت إعادتهم معا إلى مقدونيا، حيث قضوا الليل في محطة قطارات تابانوفتشي في عنابر سابقة التجهيز مقدمة من قبل مفوضية شئون اللاجئين.

وفي الليلة التالية، أغلقت مقدونيا حدودها مع صربيا، تاركة نحو 100 شخص محصورين في المنطقة المحايدة بين نقطتي خفر الحدود بكلا البلدين. ولم يسمح لمفوضية شئون اللاجئين بالوصول إليهم، بينما تمكن الصليب الأحمر من تقديم البطاطين لهم. وقد أعيد هؤلاء الأشخاص الآن إلى مقدونيا وتم توفير مأوى لهم في محطة قطارات تابانوفتشي.

كذلك في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، منع نحو 440 شخص من دخول كرواتيا عند الحدود الكرواتية مع صربيا، حيث قامت شرطة الحدود بكلا البلدين بالعمل معا على منع الناس من استقلال القطارات من “سيد”. وتم توقيف جماعة في كرواتيا – تتكون في أغلبها من الرجال العازبين، وإن كان بها أيضا ثلاثة نساء وطفلان، من بلدان شتى كالمغرب وبنجلاديش وباكستان – وتم شحنهم في حافلات أعادتهم إلى صربيا.

تشديد إجراءات ضبط الحدود عبر الاتحاد الأوروبي

جاء تشديد إجرءات السيطرة على الحدود على طريق البلقان قبيل انعقاد الاجتماع غير العادي الذي عقد اليوم بين وزراء العدل والداخلية لدول الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وهو الأول في أعقاب هجمات باريس التي وقعت يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني. وتضمن جدول أعمال الاجتماع مناقشة تشديد الضوابط الأمنية على امتداد الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وفي داخل منطقة شنجن التي لا توجد حدود بين دولها من الناحية الاسمية، وذلك دون التركيز فيما يبدو على حماية حقوق الإنسان.

من اللازم لدول المنطقة بالترافق مع دول الاتحاد الأوروبي وكل الدول الأعضاء فيه أن تقوم بتنسيق عملية السيطرة على الحدود على نحو فعال ودون تمييز يفضي إلى عمليات طرد جماعي وإرجاع غير قانوني للمهاجرين وطالبي اللجوء.

جون دالهويسن

وقال جون دالهويسن: “من اللازم لدول المنطقة بالترافق مع دول الاتحاد الأوروبي وكل الدول الأعضاء فيه أن تقوم بتنسيق عملية السيطرة على الحدود على نحو فعال ودون تمييز يفضي إلى عمليات طرد جماعي وإرجاع غير قانوني للمهاجرين وطالبي اللجوء. إن وجود طرق آمنة وقانونية تدار بطريقة سليمة لدخول أوروبا، مع إمكانية اتباع إجراءات فعالة للجوء أمام كل من يرغب في طلب اللجوء، سيكون لها أثر كبير في تحديد التهديدات الأمنية، وفي الوقت نفسه مراعاة الالتزامات الدولية بتوفير الحماية لمن يحتاج إليها”.

خلفية

في يوليو/تموز 2015، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا بعنوان “الأراضي الحدودية في أوروبا: الانتهاكات ضد المهاجرين واللاجئين في مقدونيا وصربيا والمجر”، توثق فيه تعرض اللاجئين والمهاجرين بصورة منهجية للإرجاع على نحو غير قانوني ولسوء المعاملة على أيدي الشرطة الحدودية، وتعرضهم لخطر الاستغلال من جانب المهربين.

إلا أن الأوضاع زادت سوءا جراء تزايد تدفق القادمين طوال أشهر الصيف والخريف، حتى وصلت إلى حد الأزمة يوم 15 سبتمبر/أيلول عندما قامت المجر في واقع الحال بإغلاق حدودها نهائيا؛ مما زاد من الضغوط على هذا الطريق الذي يعد طريقا ثانويا للهجرة عبر البلقان ويعاني أصلا من سوء التنسيق.