خطط الاتحاد الأوروبي الجزافية لإعادة لاجئين إلى تركيا غير قانونية

قالت منظمة العفو الدولية إنه يجب على الاتحاد الأوروبي أن يوقف فوراً خططه الرامية إلى إعادة عدد من طالبي اللجوء إلى تركيا استناداً إلى ادعاء زائف بأنها “بلد آمن” بالنسبة للاجئين. جاء ذلك في تقرير موجز للمنظمة نُشر اليوم.

ويسرد الموجز، الصادر بعنوان: “ما من ملجأ آمن: حرمان طالبي اللجوء واللاجئين من الحماية الفعالة في تركيا”، أوجه القصور في نظام طلب اللجوء في تركيا، والصعوبات التي يواجهها اللاجئون هناك، مما يجعل إعادتهم بموجب الاتفاق المبرم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في 18 مارس/آذار 2016 أمراً منافياً للقانون وللضمير.    

ويبين الموجز أن نظام طلب اللجوء في تركيا يعاني أشد المعاناة للتعامل مع أكثر من ثلاثة ملايين من طالبي اللجوء واللاجئين. ونتيجةً لذلك، قد يظل طالبو اللجوء عدة سنوات في انتظار بحث حالاتهم، وخلال هذه الفترة لا يحصلون على دعم يُذكر، أو لا يحصلون على أي دعم من أجل الحصول على مأوى وإعالة أنفسهم وعائلاتهم، بينما يُضطر أطفال لا تزيد أعمارهم عن تسع سنوات للعمل لمساعدة عائلاتهم.

إن الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا اتفاقٌ جُزافي وغير قانوني.

جون دلهاوزن، مدير قسم أوروبا ووسط آسيا في منظمة العفو الدولية

وقال جون دلهاوزن، مدير قسم أوروبا ووسط آسيا في منظمة العفو الدولية، إن “الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا اتفاقٌ جُزافي وغير قانوني. وتبين النتائج التي توصلت إليها منظمة العفو الدولية أنه من قبيل الخيال تصوُّر أن تركيا قادرة على احترام حقوق ما يزيد عن ثلاثة ملايين من اللاجئين وطالبي اللجوء وتلبية احتياجاتهم”.

ومضى جون دلهاوزن قائلاً: “في إطار مساعي الاتحاد الأوروبي المحمومة لمنع المهاجرين غير الشرعيين من دخول أوروبا، فقد تعمَّد تقديم صورة غير صحيحة عما يحدث فعلياً على أرض الواقع في تركيا. ومن المتوقع أن يعاني أي نظام جديد لطلب اللجوء في بلد يأوي أكبر عدد من اللاجئين في العالم. وإذا كان من المحمود دعم تركيا وتشجيعها على وضع نظام لطلب اللجوء يعمل بكفاءة تامة، فلا يجوز للاتحاد الأوروبي أن يتصرف وكأن هذا النظام موجود بالفعل”.

تقاعس تركيا عن حماية اللاجئين

بالرغم من موقف تركيا المرحب عموماً باللاجئين، فقد كان من المحتم أن تضع الأعداد الهائلة من القادمين، والتي بلغت حوالي 2.75 مليون لاجئ سوري و400 ألف لاجئ وطالب لجوء من بلدان أخرى (وهي بالأساس أفغانستان والعراق وإيران)، عبئاً كبيراً على النظام الجديد لطلب اللجوء في تركيا وكذلك على قدرة تركيا على الوفاء بالاحتياجات الأساسية لمواطنيها.

ويبين تقرير منظمة العفو الدولية أن نظام طلب اللجوء في تركيا يتسم بالقصور عن تحقيق ثلاثة معايير جوهرية يتطلبها القانون الدولي لكي تكون إعادة طالبي اللجوء إلى تركيا قانونية، وهي: الوضع والحلول الدائمة والاستمرار.

1- الوضع

تفتقر تركيا إلى القدرة على مباشرة إجراءات طلب اللجوء، وهو الأمر الذي يؤدي إلى بقاء مئات الآلاف من اللاجئين وطالبي اللجوء أسرى وضع قانوني غير محدد يستمر سنوات. وقد رفضت السلطات التركية تزويد منظمة العفو الدولية بإحصائيات عن طلب اللجوء. إلا إنها أعلنت، في إبريل/نيسان 2016، أنها قامت خلال عام 2015 بالبت في حوالي أربعة آلاف طلب للجوء، أي ما يمثل نحو أربعة بالمئة من مجموع طلبات اللجوء المسجلة لدى “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين” التابعة للأمم المتحدة، والبالغ 266 ألف طلب.

2- الحلول الدائمة

يجب إدماج اللاجئين في البلدان التي يقيمون فيها، أو إعادة توطينهم في بلدان أخرى، أو إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، إذا كانت آمنة. إلا إن تركيا تحرم جميع اللاجئين غير الأوروبيين من الحصول على صفة اللاجئ بشكل كامل، وتحرمهم بالتالي من خيار الإدماج، بينما يتقاعس المجتمع الدولي عن توفير أية خيارات أو أماكن أخرى يمكن أن تكون ملائمة لإعادة التوطين. ومن شأن هذا الوضع أن يجعل اللاجئين بين شقي الرحى، فلا يمكنهم بناء حياة جديدة في تركيا، وليس لديهم أي أمل يُذكر في أن يتوفر أمامهم خيار إعادة التوطين في بلد آخر خلال السنوات القادمة، أو في أي وقت كان.

ومن هؤلاء اللاجئين “فايزة” (وهذا ليس اسمها الحقيقي) وأختها، وهما من أفغانستان، وفرَّتا من الزواج القسري في إيران، وحصلتا على وضع اللاجئ في تركيا. وعلى مدى ثلاث سنوات، ظلت الأختان تنتظران دون جدوى أن يُحدد لهما موعد للمقابلة في سفارة أي بلد من أجل إعادة توطينهما. وفي نهاية المطاف، لم تجد الأختان أي خيار أمامهما سوى المغامرة بحياتهما في أحد قوارب المهربين المتجهة إلى اليونان.

وقد قالت “فايزة” لمنظمة العفو الدولية إنه لو كان هناك أي احتمال معقول لمغادرة تركيا بشكل آمن، ولو كان هناك بعض الدعم خلال الانتظار حتى تنتهي الإجراءات، لكانت هي واختها قد انتظرتا. وأضافت “فايزة” موضحةً: “لو كان هناك أي أمل في إعادة التوطين، لكنَّا انتظرنا. لقد كنَّا مرعوبين فعلاً من الرحلة إلى أوروبا لأننا عرفنا أنها خطرة. ولكن… كان اليأس قد استبد بنا. قلنا لأنفسنا: “ربما نموت، وربما لا نصل، ولكن لا يهم، فلم يعد بوسعنا أن نبقى في تركيا بعد الآن”.

ربما نموت، وربما لا نصل، ولكن لا يهم، فلم يعد بوسعنا أن نبقى في تركيا بعد الآن.

فايزة" (وهذا ليس اسمها الحقيقي) لاجئة من أفغانستان

3- الاستمرار

أُجبر الغالب الأعم من اللاجئين السوريين وغيرهم على البحث عن ملجأ بدون دعم حكومي. وبالرغم من أن السلطات التركية تأوي ما يزيد عن 264 ألف لاجئ سوري في مخيمات في مقاطعات الحدود الجنوبية، فإنها لا تستطيع من الناحية الواقعية أن توفر مأوى لباقي اللاجئين من سوريا (وعددهم حوالي 2.48 مليون لاجئ)، والذين يشكلون حوالي 90 بالمئة من مجموع اللاجئين السوريين. وفي الوقت نفسه، لم توفر السلطات مساكن اجتماعية إلا لنحو 100 من بين 400 ألف من طالبي اللجوء واللاجئين من بلدان أخرى (أي بنسبة 0.0025 بالمئة). وهذا يعني أن حوالي ثلاثة ملايين من طالبي اللجوء واللاجئين قد تُركوا ليتدبروا أمر المأوى بقدر ما يستطيعون.

وقد أجرى باحثو منظمة العفو الدولية مقابلات مع 57 لاجئاً في تركيا، خلال الفترة من مارس/آذار إلى مايو/أيار 2016. وقد تحدثوا جميعاً عن معاناتهم من أجل العيش، حيث لا يتلقون أي دعم مالي تقريباً من السلطات، ويعتمد السواد الأعظم منهم على المعونات الخيرية من أفراد العائلة أو الزملاء من طالبي اللجوء أو التجمعات الدينية.

وذكر بعض اللاجئين لمنظمة العفو الدولية أنهم يعيشون في مساكن عشوائية مؤقتة، وأحياناً ينامون في المساجد أو الحدائق أو محطات المترو لأنهم لا يستطيعون تحمُّل نفقات الإيجار. وكانت هناك عائلتان من أفغانستان يعيش أفرادهما تحت أحد الجسور في إستطنبول، بعدما غرق ثلاثة من أطفال العائلتين في محاولة فاشلة لعبور الحدود عن طريق البحر.

وقال جون دلهاوزن: “لقد كانت تركيا كريمةً في استضافة اللاجئين، ولكن وعودها لقادة الاتحاد الأوروبي ليس لها انعكاس في الوضع الفعلي على الأرض. فطالبو اللجوء واللاجئون في تركيا يظلون سنوات في انتظار البت في وضعهم، وخلال هذا الانتظار لا يُقدم لهم أي دعم ولا يُتاح لهم الحق في دعم أنفسهم”.

لقد حان الوقت أمام قادة أوروبا لمواجهة حقائق الواقع.

جون دلهاوزن

ومضى جون دلهاوزن قائلاً: “لقد حان الوقت أمام قادة أوروبا لمواجهة حقائق الواقع. وقد يكون من الملائم سياسياً أن يستعين هؤلاء القادة بأطراف خارجية من أجل الوفاء بواجبهم القانوني في مساعدة الفارين من النزاع، ولكن إذا كانوا يعتقدون أن بوسعهم القيام بذلك بشكل قانوني أو بدون إلقاء مزيد من العناء على عاتق أولئك الذين فروا لتوهم من معاناة مروِّعة، فمن الواضح والمفجع أيضاً أنهم مخطئون”.

الأطفال اللاجئون يعملون لتلبية احتياجاتهم

يحذِّر تقرير منظمة العفو الدولية أيضاً من أن عمالة الأطفال شائعة بين اللاجئين في تركيا، حيث تعاني العائلات أشد المعاناة من أجل تلبية احتياجاتها الأساسية.

ففي مقابلة مع منظمة العفو الدولية، قالت لاجئة سورية وأم لثلاثة أطفال إن عائلتها المؤلفة من سبعة أفراد تعيش كلها على الأجر الذي يتقاضاه ابنها البالغ من العمر سبع سنوات من عمله في محل للبقالة، وهو يتراوح بين خمس وعشر ليرات تركية في اليوم (أي ما بين 1.75 و3.50 دولار أمريكي تقريباً). وكانت الإصابات التي لحقت بزوجها من جراء الشظايا في سوريا تمنعه من العمل.

يجب على الاتحاد الأوروبي أن يشارك في تحمُّل المسؤولية لا أن يلقيها على طرف آخر

يجب على الاتحاد الأوروبي، بدلاً من إلقاء مسؤولياته على عاتق تركيا، أن يسارع بالبدء في برنامج طموح لإعادة توطين اللاجئين المقيمين في البلاد.

فبينما تأوي تركيا ما يزيد عن ثلاثة ملايين من طالبي اللجوء واللاجئين، وهو عدد يفوق مثيله في أي بلد آخر في العالم، فإن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مجتمعةً لم تقم إلا بإعادة توطين 8.155 لاجئ فقط من مختلف أنحاء العالم خلال عام 2015.

وتعليقاً على ذلك، قال جون دلهاوزن: “لقد تمثل رد الاتحاد الأوروبي على واحدة من أفظع الكوارث الإنسانية في عصرنا في بناء الحواجز والأسوار، ونشر مزيد من حراس الحدود، وإبرام اتفاقيات مراوغة مع البلدان المجاورة من أجل إبقاء اللاجئين خارج الاتحاد الأوروبي. وهذا كله يؤدي إلى مزيد من البؤس ومزيد من المعاناة ومزيد من الأشخاص الذين يلقون حتفهم في عرض البحر”.

خلفية: اتفاق الاتحاد الأوروبي وتركيا تعرض للتقويض فعلاً من جراء إعادة لاجئين قسراً من تركيا إلى أفغانستان والعراق وسوريا

في 18 مارس/آذار 2016، توصل الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى اتفاق بعيد المدى للتحكم في الهجرة، وصدر رسمياً في صورة بيان، وبموجبه وافقت تركيا على يُعاد إليها جميع “المهاجرين غير الشرعيين” الذين عبروا إلى الجزر اليونانية بعد 20 مارس/آذار 2016، مقابل الحصول على ستة مليارات يورو بالإضافة إلى امتيازات سياسية من الاتحاد الأوروبي. ويستند تبرير الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى افتراض مؤداه أن تركيا بلد آمن يمكن إعادة طالبي اللجوء واللاجئين إليه. وينطوي هذا الاتفاق على عدم احترام حقوق اللجوء داخل تركيا (وهو موضوع هذا التقرير)، كما إن من الدلائل على أن بلداً ما قد لا يكون “آمناً” أن يقوم هذا البلد بإرسال أشخاص إلى بلدان أخرى يتعرضون فيها لمخاطر انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وقد أظهرت بحوث سابقة لمنظمة العفو الدولية أن عدداً من طالبي اللجوء واللاجئين في تركيا قد أُعيدوا في أواخر عام 2015 ومطلع عام 2016 ليواجهوا تلك المخاطر تحديداً في أفغانستان والعراق وسوريا.