يجب على تونس أن تغتنم الفرصة لاستئناف الإصلاحات عقب مراجعة سجلها أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة

قالت منظمة العفو الدولية أنه يجب على الحكومة التونسية أن تبرهن على التزامها بحقوق الإنسان من خلال قبول التوصيات المتعلقة بمكافحة التعذيب، وإنهاء التمييز، وحماية النساء والفتيات من العنف الجنسي والعنف بسبب النوع الاجتماعي.

وقد تلقت الحكومة التونسية توصيات من أكثر من 50 دولة خلال المراجعة الثالثة لسجلها في مجال حقوق الإنسان في إطار “الاستعراض الدوري الشامل” أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة اليوم.

وتعليقاً على ذلك، قالت هبة مرايف، مديرة البحوث لشمال إفريقيا بمكتب تونس الإقليمي لمنظمة العفو الدولية، إنه “بالرغم من أن تونس حققت بعض التقدم في فتح المجال السياسي والمدني، وإجراء بعض الإصلاحات التشريعية؛ فقد ظل قطاع الأمن في معظمه دون تغيير، وشهدت السنوات الأخيرة تصاعداً في الانتهاكات مع بقاء مرتكبيها بمنأى عن المساءلة والعقاب”.

وكانت المرة الأخيرة التي يراجع فيها مجلس حقوق الإنسان سجل تونس في مايو/أيار 2012. في الاثناء اعتمدت تونس دستوراً جديداً يكفل الحقوق الإنسانية الأساسية، كما اعتمدت قانوناً جديداً للعدالة الانتقالية. وبالإضافة إلى ذلك، عدلت تونس بعض بنود مجلة الإجراءات الجزائية” لتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة. وبالرغم من ذلك، أوضح تقرير لمنظمة العفو الدولية، نُشر في فبراير/شباط 2017، أن هناك انتهاكات ما زالت تُرتكب تحت ذريعة الأمن القومي مثل: التعذيب، والايقاف التعسفي، والقيود على حرية التنقل. ولا يزال التمييز ضد المرأة والتمييز على أساس الميول الجنسية يمثل تحدياً.

إن هذه المراجعة تأتي في لحظة حرجة بالنسبة لتونس، وهي توفر فرصةً مهمة لتقييم ما حققته تونس خلال المرحلة الانتقالية من إصلاحات في مجال حقوق الإنسان بعد ست سنوات من الانتفاضة، وفي مواجهة التحديات الأمنية الجارية.

هبة مرايف، مديرة البحوث لشمال إفريقيا بمكتب تونس الإقليمي لمنظمة العفو الدولية

وقالت هبة مرايف: “إن هذه المراجعة تأتي في لحظة حرجة بالنسبة لتونس، وهي توفر فرصةً مهمة لتقييم ما حققته تونس خلال المرحلة الانتقالية من إصلاحات في مجال حقوق الإنسان بعد ست سنوات من الانتفاضة، وفي مواجهة التحديات الأمنية الجارية”.

وقد ركزت تونس، في تقريرها الوطني المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان، على الإصلاحات الدستورية، وودور الهيئات المستقلة الجديدة التي أُنشئت لتنفيذ تلك الإصلاحات منذ المراجعة الأخيرة، مثل: “هيئة الحوكمة الرشيدة، ومكافحة الفساد”، و”هيئة الحقيقة والكرامة”، و”الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب”. إلا إن التقرير لم يتطرق لبواعث القلق المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان من طرف قوات الأمن. كما لم يقدم التقرير تفاصيل عن أشكال المحاسبة التي تمت حتى الآن بخصوص الانتهاكات التي ارتُكبت على مدى السنوات الخمس الماضية.

وقد قدمت أكثر من 12 دولة توصيات تتعلق، بوجه خاص، بمكافحة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، من بينها توصيات بالتحقيق في ادعاءات التعذيب ومحاكمة من تثبت مسؤوليته. واقترحت كندا في إحدى التوصيات وضع كاميرات فيديو في أماكن الاحتجاز السابق للمحاكمة من أجل تعزيز سبل منع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة. كما ركزت عدة دول في توصياتها على أهمية توفير الموارد التي تحتاجها “الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب” وضمان استقلالها.

وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية، في التقرير الذي أصدرته مؤخراً، بعض حالات التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة التي وقعت في سياق عمليات مكافحة الإرهاب، على مدى العامين الماضيين. ولم تتحقق نجاحات إلا في عدد قليل جداً من المحاكمات بشأن قضايا التعذيب على مدى الأعوام الأربعة الماضية، كما يسود مناخ عام من الإفلات من العقاب عن الانتهاكات التي ترتكبها القوات المكلفة بتنفيذ القانون.

وركزت توصيات مقدمة من اليابان والنرويج وفنلندا على مسؤولية تونس عن حماية وضمان حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، بما في ذلك الحق في محاكمة عادلة، والحق في حرية التعبير، وحرية التجمع السلمي، وحرية تكوين الجمعيات.

وقدمت 15 دولة على الأقل توصيات إلى تونس تتعلق بالحاجة إلى استئصال التمييز على أساس الميول الجنسية أو النوع الاجتماعي، وحثَّت معظم هذه التوصيات تونس على تعديل الفصل القانوني الذي يجرم العلاقات بين أفراد من الجنس نفسه. ويُذكر أن الفصل 230 من “المجلة الجزائية” (قانون العقوبات) في تونس ينص على فرض عقوبة السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات على أي شخص يُدان بممارسة علاقات مع أفراد من الجنس نفسه. ويمثل هذا الفصل تمييزاً بشكل صارخ، كما يجعل المثليين والمثليات وذوي الميول الجنسية الثنائية والمتحولين جنسياً ومزدوجي النوع أكثر عرضةً للعنف وغيره من الانتهاكات على أيدي الشرطة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفحوص الطبية التي تُفرض بالإكراه على الرجال المتهمين بممارسة علاقات بالتراضي مع أفراد من الجنس نفسه، من أجل “إثبات” مثل هذه الأنشطة الجنسية، تُعتبر بمثابة نوع من الاغتصاب، وبالتالي من التعذيب.

ومن التوصيات الأخرى المهمة التي قُدمت مراراً إلى تونس اليوم توصية تطالب بالإسراع باعتماد قانون شامل بشأن العنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك تجريم الاغتصاب في إطار الزواج، وإلغاء البند القانوني الذي يتيح لمرتكب الاغتصاب أن يفلت من المحاكمة عن طريق الزواج من ضحيته، واتخاذ خطوات محددة نحو تعديل جميع التشريعات التي تنطوي على تمييز ضد المرأة.

أمام تونس فرصة لكي تبرهن للعالم اليوم أنها ملتزمة حقاً بتنفيذ إصلاحات في مجال حقوق الإنسان، وذلك باعتماد التوصيات الرامية إلى جعل التشريعات الوطنية متماشيةً مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومعايير حقوق الإنسان الدولية.

هبة مرايف

وقالت هبة مرايف: “أمام تونس فرصة لكي تبرهن للعالم اليوم أنها ملتزمة حقاً بتنفيذ إصلاحات في مجال حقوق الإنسان، وذلك باعتماد التوصيات الرامية إلى جعل التشريعات الوطنية متماشيةً مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومعايير حقوق الإنسان الدولية، ولاسيما فيما يتعلق بالتمييز”.

وبالرغم من استمرار وقف تنفيذ الإعدامات في تونس، فقد أقرت السلطات، في عام 2015، قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب تضمن فرض عقوبة الإعدام على عدد من الجرائم. وإذا كانت تونس لم تؤيد في الماضي التوصيات المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام، فإن المراجعة الحالية توفر فرصة جديدة أمام تونس لإعادة النظر في موقفها من عقوبة الإعدام.