السعودية تقنن منظومة وصاية الرجل والتمييز بين الجنسين

بينما يجتمع العالم للاحتفال بـ 16 يومًا من الفعاليات وأنشطة كسب التأييد في مواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي، فإن استمرار المملكة العربية السعودية في سجن النساء بسبب تعبيرهن السلمي عن دعم حقوق المرأة وفرض حظر السفر ضد المدافعات عن حقوق الإنسان هو تذكير مدوٍّ بالأنظمة التمييزية بطبيعتها التي تواجهها المرأة في البلاد.

في اليوم العالمي للمرأة، في 8 مارس/آذار 2022، أصدرت السعودية أول نظام للأحوال الشخصية. في الماضي، كانت المسائل المتعلقة بالحياة الأسرية تخضع للتطبيق التعزيري لقواعد الشريعة (القانون الإسلامي) وتفسيرات النصوص الإسلامية من قبل السلطة القضائية التي يهيمن عليها الذكور. حينها، أشاد ولي العهد محمد بن سلمان بالقانون الجديد لتوافقه “مع أحدث التوجهات القانونية والممارسات القضائية الدولية الحديثة”. ومع ذلك، وفي الممارسة الفعلية، يقنن القانون العديد من الممارسات الإشكالية غير الرسمية، ولكن واسعة الانتشار المتأصّلة في نظام وصاية الرجل، ويرسخ نظام التمييز القائم على النوع الاجتماعي في معظم جوانب الحياة الأسرية، بما في ذلك الزواج والطلاق وحضانة الأطفال. 

تُعرّف “مساواة”، وهي حركة عالمية للمساواة والعدالة في الأسرة المسلمة، وصاية الرجل، أو “الولاية”، بأنها “حـق الآباء أو الأقرباء مـن الرجال وواجبهم في ممارسة الوصاية على الذكور والإناث الخاضعين لوصايتهم”.

منذ 2019، ألغت السعودية بعض القيود المفروضة من خلال نظام وصاية الرجل، مما يمنح للنساء فوق سن 21 عامًا الحق في الحصول على جواز سفر والسفر من دون إذن ولي الأمر الذكر ويتيح للمرأة فوق سن 18 تسجيل ولادة طفل، ووفاة أحد الأقارب وكذلك الزواج والطلاق. وفي حين أن هذه الإصلاحات كان لها تأثير إيجابي على المرأة، إلا أنَّ السلطات أخفقت في اقتلاع نظام وصاية الرجل من جذوره، لا بل كرّسته في قانون، مخاطرةً بذلك بتقويض المكاسب المتواضعة المحققة أخيرًا. 

بموجب نظام الأحوال الشخصية، يتغلغل تأثير الوصي الذكر في كافة مناحي حياة المرأة، حيث يمكن للرجال فقط أن يكونوا أوصياء قانونيين، وعلى عكس الرجال، يجب أن تحصل النساء فقط على رضا الوصي القانوني الذكر للزواج لضمان صحة عقد الزواج. ويتضمن القانون بعض الضمانات التي تسعى إلى حماية المرأة من الإكراه على الزواج، مثل إثبات رضا الزوجَيْن وحظر موافقة الوصي القانوني على زواج المرأة من دون رضاها. ومع ذلك، فإنه لا يقدم أي توضيح بشأن معنى “الرضا” أو كيفية الحصول عليه.

علاوة على ذلك، لا يمكن للمرأة اختيار وصيها القانوني، حيث يحدد القانون ترتيب الأولياء في الزواج بحسب درجة القرابة، بدءًا من الأب، ثم وصيه، ثم الجد، وهكذا دوالَيْك. وفي حال رفض ولي أمر المرأة عقد الزواج، رغم رضاها، تنتقل هذه الولاية إلى المحكمة، وهي كيان آخر يهيمن عليه الذكور، “لتولي تزويج المرأة”. ويمعن نقل الوصاية في تقويض قدرة المرأة على التصرّف، ويزيد من سيطرة الرجال على النساء، ويفاقم ديناميات القوة غير المتكافئة بينهما، ويقضي على إمكانية منح المرأة رضاها “الحرّ والكامل” على الزواج بموجب القانون الدولي.

وبالمثل، لا يمنح نظام الأحوال الشخصية النساء والرجال حقوقًا متساوية في المسائل المتعلقة بأطفالهم في حالة الانفصال، مما يتعارض مع القانون والمعايير الدولية. وفي حين تمُنح الأم الحضانة تلقائيًا، يُعيّن الأب كوصي قانوني على الطفل من دون إيلاء الاعتبار الواجب لمصالح الطفل الفضلى. 

بصفته الوصي القانوني، يمتلك الأب سلطات أوسع بكثير فيما يتعلق بتربية الطفل من الأم. على سبيل المثال، لا يُسمح للأم، أي حاضنة الطفل، بالسفر خارج السعودية مع الطفل إلا لمدة أقصاها 90 يومًا في السنة؛ وأي سفر يتجاوز هذه الفترة يتطلب موافقة الأب، أو الوصي القانوني في حالة وفاة الأب. لا يفرض هذا الشرط قيودًا على حرية المرأة في التنقل فحسب، بل يمنع النساء أيضًا من الانتقال خارج السعودية مع أطفالهن، ما لم يكن لديهن موافقة صريحة من والد الطفل أو الوصي القانوني المعيّن. وعلى النقيض من ذلك، لا يتطلب نظام الأحوال الشخصية موافقة والدة الطفل إذا أراد الأب أو الوصي القانوني المعيّن الانتقال مع الطفل. 

علاوة على ذلك، فإن أسباب إنهاء الحضانة للأمهات هي أوسع بكثير من أسباب إنهاء الوصاية القانونية، مما يخلق خطر استخدام الآباء للسلطات الواسعة لوصايتهم القانونية لسلب الحقوق المحدودة التي تتمتع بها المرأة على طفلها. على سبيل المثال، بموجب المادة 126 (1)، يمكن للوصي القانوني إنهاء حضانة الأم إذا تزوجت من رجل لا تربطه صلة قرابة بالطفل. وتهدد هذه المادة بردع النساء المطلقات اللواتي لديهن أطفال عن الزواج مرة أخرى لأن هذا من شأنه أن يعرضهن لخطر فقدان حضانة أطفالهن ما لم يستطعن إثبات أن الزواج في “مصلحة” الطفل، وهو أمر غير مُعرّف في القانون كما ذكر أعلاه. وعلى النقيض من ذلك، لا يوجد حكم مماثل بموجب نظام الأحوال الشخصية يقيّد وصاية الأب على طفله بناءً على وضعه الزوجي.

كما يميز القانون ضد المرأة في مسائل الزواج من خلال حصر الحق بالزواج للمرأة المسلمة من رجل مسلم فقط، ولكنه يبيح للرجل المسلم الزواج من امرأة مسيحية أو يهودية أو مسلمة. وبموجب القانون الدولي، فإن تمييزه يقوّض حق المرأة في اختيار زوجها بحرية. بالإضافة إلى ذلك، يقنن نظام الأحوال الشخصية الأدوار النمطية للجنسين التي تميز ضد المرأة من خلال مطالبة الزوجات “بالطاعة بالمعروف” وإلغاء حق المرأة بموجب النظام في النفقة من قبل زوجها إذا “منعت نفسها من الزوج … من دون عذر مشروع”. هنا أيضًا، يخفق نظام الأحوال الشخصية في تقديم تعريف لـ “العذر المشروع”.

تطالب “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)”، التي صدّقت عليها السعودية في عام 2000، الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في جميع المسائل المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، وأن تكفل على قدم المساواة للرجال والنساء نفس الحق في حرية اختيار الزوج وعدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل. وذكرت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة أيضًا أن حق المرأة في اختيار زوجها وعقد الزواج بحرية أمر أساسي لحياتها وكرامتها ومساواتها كإنسان. وفي ضوء ذلك، دعت لجنة سيداو في 2018 السعودية إلى إلغاء “الأحكام التمييزية التي تنظم الأهلية القانونية وتعدد الزوجات والطلاق ونظام الوصاية والإرث”.

في الواقع والممارسة، فإن جوهر نظام وصاية الرجل تمييزي بطبيعته ضد المرأة: فهو يقيد ممارسة المرأة لحقوقها الإنسانية، ويمنح الرجال سلطات أوسع على أطفالهم. ولا تزال حقوق المرأة في السعودية خاضعة للمواقف التعزيرية للرجال، والقانون الجديد يرسخ ذلك. يتعين على السلطات السعودية الوفاء بالتزاماتها والقضاء التام على نظام وصاية الرجل.