أوروبا وآسيا الوسطى 2023
أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى
ظلت حقوق الإنسان وحرياته تتعرض لاعتداء عميق ومستمر، تؤججه الحرب الروسية المستمرة ضد أوكرانيا التي غذت موجات الاستبداد المتشدد في مختلف أنحاء المنطقة. وجرَّت الحكومات المدافعين عن حقوق الإنسان إلى المحاكم، وقمعت المعارضة؛ بل وكثيرًا ما عمدت فعليًا إلى تجريم الحق في حرية التعبير، ونشر أي معلومات مستقلة عن حقوق الإنسان باعتبارها “أخبارًا كاذبة”، ومحاولات “للتشكيك” في السياسات أو “النيل من سمعة” المؤسسات. وبدت آفاق التعزيز الفعال لحقوق الإنسان وحمايتها قاتمة.
وأصبحت الحرب بمثابة “وضع اعتيادي جديد” في المنطقة. وأدى إغلاق آذربيجان لأحد الطرق الرئيسية المؤدية إلى إقليم ناغورنو قره باغ الانفصالي إلى نشوء أزمة إنسانية تهدد أرواح الآلاف من الناس، وفي أعقاب هجومها العسكري، نزح أكثر من 100,000 شخص إلى أرمينيا بين عشية وضحاها.
وتحول العدوان الروسي المتواصل على أوكرانيا إلى حرب استنزاف، في الوقت الذي أخذت فيه قائمة جرائم الحرب وغيرها من الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي تزداد بصفة مطردة. وتحمل المدنيون، حتى الأطفال، معاناة فظيعة من الخسائر في الأرواح، والإصابات، وتدمير المنازل ومنشآت البنية التحتية الأساسية، والنزوح الجماعي المستمر، والأخطار التي تهدد البيئة والدمار الذي حاق بها.
وباءت بالفشل الجهود المبذولة لإرساء آليات العدالة الدولية التي استوجبتها الحرب في أوكرانيا، بما في ذلك ما يتعلق منها بجريمة العدوان. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرًا باعتقال الرئيس فلاديمير بوتين، ورغم ذلك كانت كازاخستان وقرغيزستان والمملكة العربية السعودية من بين الدول غير الأطراف في المحكمة التي استقبلته في زيارات رسمية.
وبعيدًا عن الصراعات العسكرية، كان التمييز المجحف وأعمال الانتقام ضد الأقليات الدينية شائعة في المنطقة. وظل التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة مستوطنة في المنطقة، وكان الأشخاص المشتبه في ضلوعهم فيها بمأمن من العقاب. واستمر العنف ضد النساء والفتيات على مستويات عالية. وتراجعت الحقوق المتعلقة بالنوع الاجتماعي. ونُكبت صحة الإنسان في مختلف بلدان المنطقة بالأضرار الناجمة عن تلوث الهواء، وخصوصًا التلوث الناجم عن احتراق الوقود الأحفوري.
أوروبا الغربية والوسطى وجنوب شرق أوروبا
عمد سياسيون في كثير من البلدان الأوروبية خلال عام 2023 إلى إثارة الاستقطاب الاجتماعي بشأن حقوق المرأة ومجتمع الميم، والهجرة، والعدالة المناخية، والأحداث المروعة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. واتخذت حكومات كثيرة حقوق الإنسان أداة لوصم مجموعات مختلفة بالعار، وفرضت قيودًا مفرطة على حيز المجتمع المدني، مستهدفة المتظاهرين من أجل المناخ، وكل من يعربون عن آراء معارضة فيما يتعلق بالتضامن مع الفلسطينيين، والمسلمين، وغيرهم من الفئات المصنفة بالانتماء إلى عرق معين.
ظلت العنصرية المؤسسية تهدر حقوق الإنسان، وتؤدي إلى إزهاق الأرواح؛ واستمرت الدول في انتهاج سياسات الإقصاء العنصري تجاه الأفراد من أفريقيا، والشرق الأوسط، وأسيا، مما جلب الموت والأذى للأشخاص في عرض البحر وعلى الحدود البرية بين الدول. ولم تفعل الحكومات شيئًا ذا بال للقضاء على ما يكابده أبناء طائفة الروما من التمييز والفصل المستمرَّيْن. وكان تقاعس الدول عن تنفيذ تدابير مناهضة للعنصرية، والاستغلال السياسي للعنصرية بمثابة خلفة لتصاعد حاد في بلاغات معاداة السامية والعنصرية ضد المسلمين.
وشهد العام مزيجًا من التقدم والانتكاس بشأن العنف القائم على النوع الاجتماعي، والحقوق الجنسية والإنجابية. وعانت من نقص الحماية الاجتماعية أضعف الفئات وأحوجها للحماية، ومن بينها ذوو الإعاقة.
تجلت ازدواجية المعايير في خطاب وسياسات الكثير من الدول: تجاه إسرائيل في مقابل القيود المتزامنة المفروضة على التضامن مع الحقوق الإنسانية للفلسطينيين؛ وترديد الكلمات المعسولة في مؤتمر المناخ كوب 28، ثم الإمعان في استخدام وإنتاج الوقود الأحفوري وقمع المحتجين؛ والتهاون واللامبالاة إزاء تردي حقوق الإنسان داخل أوروبا، ثم انتقاد الدول خارجها.
أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى
حرية التعبير
شهدت حرية التعبير تراجعًا شديدًا بينما استخدمت الحكومات طائفة من الأعمال الانتقامية ضد منتقديها، شملت توجيه تهم “التطرف”، و”تبرير الإرهاب”، و”بث معلومات كاذبة عن قصد”، و”الدعاية” لمجتمع الميم.
وبلغت روسيا مستويات غير مسبوقة من الرقابة في زمن الحرب؛ فلم تترك أي صوت من الأصوات المعارضة إلا وكتمته. وعاقبت السلطات الآلاف، ولاحقت المئات في قضايا جنائية لا تقوم على سند قانوني، وكان من بينهم الناشط المعارض فلاديمير كارا-مورزا الذي صدر عليه حكم بالسجن 25 سنة بتهمة “خيانة الدولة”.
وكانت آذربيجان، وبيلاروس، وكازاخستان، وطاجيكستان من بين الدول التي زجت بالعشرات من منتقدي الحكومة في السجون. وفي قرغيزستان، طرحت مسودة لقانون الإعلام تحظر نشر أي “مواد من شأنها الإضرار بصحة الناس وأخلاقهم”. وفي تركمنستان، استمر خنق حرية الإعلام مما أدى إلى التعتيم على نقص السلع الغذائية الأساسية والسخرة.
حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها
فرضت قيود على منظمات المجتمع المدني أو أغلقت في شتى بلدان المنطقة، وفي مقدمتها روسيا التي مازالت تقدم نموذجًا شرسًا لمثل هذه القيود، حيث ظل يتزايد بصورة مطردة عدد الأفراد ومنظمات المجتمع المدني التي تدرج في عداد “العملاء الأجانب” أو “المنظمات غير المرغوب فيها”، مما يقلص مشاركتها في الحياة العامة. كما تم تعديل القانون الجنائي لمعاقبة “القيام بأنشطة” المنظمات غير الحكومية الأجنبية التي ليس لها مكاتب مسجَّلة في روسيا، مما جرَّم فعليًا جميع أشكال التعاون مع معظم منظمات المجتمع المدني خارج البلاد. وأغلقت منظمات رائدة معنية بحقوق الإنسان، ومن بينها مجموعة موسكو هلسنكي (Moscow Helsinki Group) ومركز ساخاروف (Sakharov Centre) ومركز سوفا (Sova Centre).
وأغلت بيلاروس منظمة حقوق الإنسان المرموقة فياسنا” (Viasna)، ضمن عشرات من منظمات المجتمع المدني المستقلة، وسجنت عددًا من أبرز أعضائها لسنوات. أما قرغيزستان فقد تردت أوضاع حقوق الإنسان فيها إلى درك جديد عندما بدت السلطات موشكة على اعتماد مسودة قانون “بشأن الوكلاء الأجانب”، صيغ على غرار قانون “العملاء الأجانب” في روسيا، ويحمل في طياته نذر إغلاق العديد من المنظمات غير الحكومية. وفي مولدوفا، حُرم أعضاء حزب شانسا بصورة تعسفية من الترشح لخوض الانتخابات المحلية.
وكان من بين قصص النجاح النادرة في المنطقة اضطرار السلطات في جورجيا سحب مسودة قانون بشأن شفافية النفوذ الأجنبي في أعقاب ما شهدته البلاد من مظاهرات حاشدة واسعة النطاق احتجاجًا على القانون.
حرية التجمع السلمي
فرضت السلطات في مختلف بلدان المنطقة قيودًا شديدة على المظاهرات السلمية في الشوارع، رغم أنها نادرة الحدوث أو لا وجود لها أصلًا في الكثير من البلدان، في حين نُظِّمت تجمعات كبيرة مؤيدة للحكومة في روسيا وغيرها من البلدان. وبات الاستخدام غير المشروع للقوة من جانب أجهزة إنفاذ القانون أمرًا معتادًا في المنطقة. وفرضت قرغيزستان حظرًا شبه شامل على المظاهرات السلمية في العاصمة بيشكك، وفي بعض المناطق. واستمرت السلطات في بيلاروس وكازاخستان في تحديد هوية المشاركين في المظاهرات السابقة والزج بهم في السجن.
واستخدمت الشرطة في جورجيا الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لفض مظاهرة سلمية في معظمها في مارس/آذار؛ وفي تركمنستان، استخدمت الشرطة القوة غير الضرورية وغير المتناسبة لإيقاف مظاهرات الاحتجاج على نقص الخبز.
يجب على السلطات أن تكف عن انتحال الذرائع لقمع المعارضة، ومنع أي نقاش لسجلاتها في حقوق الإنسان. ويتعين عليها وضع حد لمضايقة المنتقدين وملاحقتهم قضائيًا، ومنع قوات الأمن من استخدام القوة غير المشروعة أثناء المظاهرات، وإلغاء أو تعديل القوانين التي تنتهك الحق في التجمع السلمي.
حرية الدين والمعتقد
شاع التمييز وأعمال الانتقام ضد الأقليات الدينية في مختلف بلدان المنطقة؛ فقد استمرت طاجيكستان في ممارساتها القمعية ضد أتباع الطائفة الإسماعيلية، بما في ذلك معاقبتهم على إقامة صلوات الجماعة في منازل خاصة. وسُجن أتباع طائفة شهود يهوه في روسيا والمناطق التي تحتلها في أوكرانيا بسبب ممارستهم شعائر عقيدتهم، واستهدفت سلطات إنفاذ القانون القساوسة الكاثوليك في بيلاروس، وقساوسة الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية (الخاضعة في الواقع الفعلي للكنيسة الأرثوذكسية الروسية) في أوكرانيا. وظل المسلمون المتدينون في أوزبكستان يخضعون للملاحقات القضائية بتهم فضفاضة للغاية ومبهمة الصياغة تتعلق بالتطرف.
يجب على الحكومات اتخاذ إجراءات فعالة لتنفيذ إصلاحات القوانين والسياسات التي تكفل حماية وتعزيز وضمان حرية الدين أو المعتقد بصورة كاملة، وبدون تمييز.
التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة
ظلت ممارسات التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة مستوطنة في كثير من البلدان، وظل المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية عنها ينعمون بالإفلات من العقاب. وفي بيلاروس، رزح السجناء المحكوم عليهم بالسجن بموجب تهم ذات دوافع سياسية تحت وطأة ظروف غير إنسانية في السجن، من بينها الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والحرمان من الرعاية الصحية الكافية. وفي كازاخستان، وصلت إلى القضاء بحلول نهاية عام 2022 خمس من ست حالات وفاة في الحجز بسبب التعذيب اعترفت بها السلطات رسميًا، في حين حُفظ التحقيق في معظم الحالات الأخرى بزعم عدم كفاية الأدلة. وفي مولدوفا، ظل المحتجزون يعانون من الاكتظاظ وسوء الأوضاع الصحية، ورداءة الرعاية الصحية. وفي جورجيا، حُرم الرئيس السابق ميخائيل ساكاشفيلي من الإفراج عنه لأسباب إنسانية رغم التدهور الشديد في حالته الصحية، وغياب الرعاية الصحية الكافية، بحسب ما ورد. وفي روسيا، تعرض أليكسي نافالني للاختفاء القسري، وأودع مرارًا رهن الحبس الانفرادي.
يجب على الحكومات العمل فورًا على وضع حد للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وتقديم جميع المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية عن هذه الأفعال إلى العدالة في محاكمات عادلة.
التمييز والعنف القائمان على النوع الاجتماعي
تم تجريم العنف الأسري في أوزبكستان لأول مرة؛ غير أن الحرب والقوانين التي ترسخ القيم “التقليدية” و”الأسرية” شكلت إطارًا لتصاعد العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف ضد المرأة في المنطقة؛ ففي أوكرانيا، بلغت حالات العنف الأسرى المسجلة في سياق الحرب المستعرة مستوى لم تشهد البلاد مثيلًا له من قبل، وشهدت قرغيزستان الاعتداءات وحالات العنف الجنسي واسعة النطاق ضد أطفال من ذوي الإعاقة، بمن فيهم بنات. وفي جورجيا، تصاعد على نحو مطرد استخدام الخطاب الذي ينضح بالتحيز الجنسي وكراهية المرأة ضد المعارضين السياسيين، ولا سيما من جانب الحزب الحاكم؛ في حين قاست النساء في آذربيجان مختلف أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك استهدافهن كأدوات للانتقام السياسي.
يجب على الحكومات تنفيذ سياسات شاملة لمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي يُمارس ضد النساء والفتيات، ومن سبل ذلك التصدي للتمييز القائم على النوع الاجتماعي المتجذر في المجتمع والصور النمطية الضارة السائدة، وضمان تيسر سبل الحماية والدعم للضحايا، ووضع حد لإفلات مرتكبي الجرائم ذات الصلة من العقاب.
انتهاكات القانون الدولي الإنساني
اتسم العدوان الروسي على أوكرانيا بارتكاب جرائم حرب متكررة؛ فقد شاعت الهجمات العشوائية التي تشنها القوات الروسية على المناطق المأهولة بالسكان، ومنشآت البنية التحتية المدنية للطاقة وتصدير الحبوب. واستخدمت كل من القوات الروسية والأوكرانية الذخائر العنقودية بالرغم من طبيعتها العشوائية وما يقترن بها من مخاطر طويلة الأمد على المدنيين. وأشارت التقديرات إلى أن أوكرانيا أصبحت أكثر دول العالم امتلاءً بالألغام. وشاع على نطاق واسع تعذيب أسرى الحرب وإخضاعهم لغير ذلك من ضروب المعاملة السيئة في روسيا والمناطق التي تحتلها في أوكرانيا. أيَّدت محكمة في موسكو حُكمًا بالسجن لمدة 13 سنة على مكسيم بوتكيفيتش، وهو مدافع أوكراني عن حقوق الإنسان بزعم ارتكابه جريمة حرب لم يكن بإمكانه ارتكابها.
وبالإضافة إلى استيلاء الجيش الآذربيجاني على إقليم ناغورنو قره باغ، لم يرد ما يفيد بإحراز أي تقدم في التحقيق في انتهاكات القانون الدولي الإنساني المنسوبة إلى القوات الآذربيجانية أو الأرمينية، بما في ذلك الهجمات المفرطة والعشوائية، وما ورد من أنباء عن تعذيب وقتل الأسرى خلال السنوات الماضية في هذا الإقليم.
يجب إجراء تحقيقات نزيهة ومستقلة بشأن جميع ادعاءات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مع تطبيق مبدأ الولاية القضائية العالمية.
المحاكمات الجائرة
استخدمت الأنظمة القضائية في الكثير من بلدان المنطقة في قمع حقوق الإنسان بدلًا من حمايتها.
ففي روسيا، أظهرت المحاكم تحيزًا عميقًا ضد المدعى عليهم، وجرت العادة ألا يُسمح لعامة الناس بحضور جلسات المحاكمات في قضايا الإرهاب والتطرف والخيانة العظمى.
واستمرت السلطات البيلاروسية في اتخاذ القضاء سلاحًا لقمع جميع أشكال المعارضة، وشمل ذلك من طرف المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان. فقد حُكم غيابيًا بالسجن لمدد طويلة، وبتهم ملفقة، ضد سفياتلانا تسيخنوسكايا، وبافل لاتوشكا، وماريا ماروز، وفولها كفالكوفا، وشارهي دايلوسكي، في حين حُكم بالسجن لمدة سبع سنوات على ناستا لويكا. وفي كازاخستان، صدر حكم بالسجن سبع سنوات على الرياضي الشهير مارات جيلانباييف بسبب معارضته السلمية. وفرضت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات على أربعة من القضاة الجورجيين بتهمة الفساد لاستغلالهم مناصبهم وتقويض نظام القضاء.
وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها بشأن التعريف الفضفاض للمنظمات الإرهابية في طاجيكستان الذي يجعل بالإمكان تطبيق إجراءات الطوارئ والقيود على الإجراءات القانونية الواجبة. وبعد أن قامت ألمانيا بترحيل طالب اللجوء عبد الله شمس الدين إلى طاجيكستان، تعرض للإخفاء القسري، ثم حُكم عليه بالسجن سبع سنوات. وفي أوزبكستان، أُدين العشرات من الأشخاص ممن كانت لهم صلة بالمظاهرات الحاشدة في كاراكالباكستان، عام 2022 في محاكمات جائرة بتهم ذات دوافع سياسية.
حقوق الأطفال وكبار السن
أدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى معاناة وحرمان شديدين لجميع المواطنين الأوكرانيين، وأصبح الأطفال وكبار السن أكثر عرضة للانتهاكات من ذي قبل.
وأشارت بيانات الأمم المتحدة الصادرة في نوفمبر/تشرين الثاني إلى أن ما لا يقل عن 569 طفلًا قد قتلوا، وأصيب أكثر من 1,229 بجروح منذ فبراير/شباط 2022. وقُدِّرت بالمئات، إن لم تكن بالآلاف، أعداد الأطفال الذين نقلتهم سلطات الاحتلال الروسية من أوكرانيا إلى روسيا؛ وفي مارس/آذار، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر باعتقال الرئيس فلاديمير بوتين ومفوضة حقوق الطفل ماريا لفوفا-بيلوفا، بسبب دورهما في جريمة الحرب تلك.
وكان المسنون من أشد الفئات تضررًا من الصراع، إذ سقط من بينهم القتلى والجرحى بمعدلات تفوق نظيرها في أي فئة أخرى من المدنيين. ووجد النازحون مشقة بالغة في الحصول على مساكن خاصة بصورة مستقلة؛ وظلت الملاجئ المؤقتة في الأغلب الأعم بعيدة المنال بالنسبة للمسنين، وخصوصًا ذوي الإعاقات منهم.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
استمرت الصراع العسكري في المنطقة في التأثير على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ فقد استمر إغلاق آذربيجان لممر لاتشين، وهو طريق يربط بين إقليم ناغورنو قره باغ وأرمينيا، لمدة تسعة أشهر حتى الهجوم الذي شنته في سبتمبر/أيلول، مما أسفر عن نقص شديد في الضروريات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء والوقود، مما فجَّر أزمة إنسانية في الإقليم الانفصالي.
وفي سبتمبر/أيلول، وفي محاولة خطيرة لتلقين أطفال المدارس بصورة غير قانونية، أُصدرت كتب تاريخ مدرسية جديدة “موحَّدة” لطلبة المدارس الثانوية في سائر أنحاء البلاد وفي الأراضي المحتلة في أوكرانيا بهدف تلميع سجل حقوق الإنسان التاريخي للسلطات الروسية والسوفييتية. واضطر الأطفال في الأراضي التي تحتلها روسيا لدراسة المنهج الدراسي الأوكراني “في الخفاء” خوفًا من الانتقام.
يجب على الحكومات ضمان حق الجميع في مستوى معيشي لائق، وفي الحصول على تعليم جيد.
حقوق اللاجئين والمهاجرين
استمرت معاناة النازحين واللاجئين والمهاجرين في شتى أنحاء المنطقة؛ فقد أجبرت السلطات البيلاروسية المهاجرين على عبور حدود الاتحاد الأوروبي باستخدام العنف، إلى حيث يتعرضون لخطر ردهم على أعقابهم؛ وفي روسيا، استخدمت السلطات أساليب الخداع والضغط لحمل المهاجرين على الانخراط في الخدمة العسكرية. وواجه أكثر من 100,000 شخص من أصل أرميني من النازحين من إقليم ناغورنو قره باغ إلى أرمينيا صعوبات اقتصادية، وتنازعتهم الشكوك في أن يتسنى لهم العودة إلى الإقليم في المستقبل.
يجب على الحكومات أن تكفل لجميع الفارين من الاضطهاد وانتهاكات حقوق الإنسان إمكانية الوصول إلى بر الأمان، والتمتع بالحماية الدولية، وتضمن عدم إعادة أحد إلى حيث يتعرض للانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.
الحق في بيئة صحية
أسفر القتال العسكري الدائر على غرار الحرب العالمية الثانية في أوكرانيا وأكبر البلدان المنتجة للوقود الأحفوري وللانبعاثات في المنطقة عن دمار وتلوث هائل للبيئة.
وأدى العدوان الروسي على أوكرانيا إلى تلوث شديد للهواء والماء والأرض، وخلف كميات لا سبيل للتحكم فيها من النفايات الخطرة. ودُمر سد كاخوفكا، فيما بدا أنه عمل عسكري مُتعمَّد، يُعتقد على نطاق واسع أن القوات الروسية قد نفَّذته، مما أسفر عن تلوث بالنفايات له عواقب بيئية طويلة الأمد تتخطى حدود أوكرانيا.
وألحق تلوث الهواء أضرارًا بصحة الإنسان، وكان السبب الرئيسي لهذا التلوث هو حرق الوقود الأحفوري. وتشير التقديرات إلى أن هذا التلوث أفضى إلى زيادة معدل الوفيات في كازاخستان بما يربو على 10,000 سنويًا؛ كما تسبب في 18% من الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية ومرض القلب الإقفاري في بيلاروس. وعُدّت عاصمة قرغيزستان واحدة من أشد العواصم تلوثًا في العالم.
وفي مختلف بلدان المنطقة، تعرض المناضلون لحماية البيئة بأنفسهم للانتقام الشديد؛ ففي أرمينيا، واجه النشطاء المعارضون لأحد مشاريع تعدين الذهب دعاوى قضائية تطالبهم بدفع تعويضات مالية باهظة عن أضرار افتُرض أن الشركات المعنية قد تكبدتها من جراء الانتقادات البيئية لهؤلاء النشطاء. وفي روسيا، صنَّفت السلطات اثنتين من كبريات المنظمات غير الحكومية المعنية بالبيئة بأنهما “غير مرغوب فيهما”، وحظرت وجودهما في البلاد.
يجب على الحكومات اتخاذ تدابير فورية لحماية الأفراد والمجتمعات من مخاطر وآثار تغير المناخ، والأحوال الجوية القاسية، ومن بين هذه التدابير طلب المساعدة والتعاون الدولي لاتخاذ إجراءات كافية للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره.
حقوق أفراد مجتمع الميم
سُجِّل في أوكرانيا مشروع قانون بشأن الشراكات المدنية، بما في ذلك الشركاء المثليون، في مارس/آذار، ولكنه لم يتطرق إلى الحظر المفروض على تبني الشركاء المثليين للأطفال.
غير أن روسيا اعتمدت قانونًا جديدًا يتسم برهاب العبور الجنسي، ويحظر فعليًّا أي نشاط علني يتعلق بحقوق أفراد مجتمع الميم عبر تصنيف “الحركة العامة الدولية لمجتمع الميم” التي لم يحددها ولكنه وصفها بأنها “متطرفة”. وفي آسيا الوسطى وما وراءها، تراجعت الحقوق المتعلقة بالنوع الاجتماعي، إذ اقترحت قرغيزستان تعديلات تشريعية تقضي بحظر أي معلومات “تنكر القيم الأسرية”، وتروِّج “للعلاقات الجنسية غير التقليدية”، في حين ظلت العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي جريمة في كل من تركمنستان وأوزبكستان.
يجب على الحكومات إلغاء القوانين والسياسات والقضاء على الممارسات التي تنطوي على التمييز ضد أفراد مجتمع الميم، ويشمل ذلك إلغاء تجريم العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي، وإزالة العراقيل القانونية التي تمنع الزيجات المثلية.
أوروبا الغربية والوسطى وجنوب شرق أوروبا
حقوق اللاجئين والمهاجرين
استمرت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في انتهاج سياساتها المفضية إلى عواقب مهلكة، والمتمثلة في الإقصاء القائم على التصنيف العرقي، والإبعاد عن العالم الخارجي، ولم تحرز تقدماً يُذكَر فيما يتصل بتقاسم المسؤولية داخل الاتحاد الأوروبي. وجنحت المفاوضات الجارية بشأن إصلاح نظام اللجوء لدى الاتحاد الأوروبي إلى تسوية من شأنها تقليل الضمانات وزيادة المعاناة لمن يرحلون عن أوطانهم بحثًا عن ملاذ آمن. وتقاعست الدول عن إرساء طرق آمنة وقانونية، بدلًا من تعريض الأشخاص للأذى والأخطار بدون داعٍ على الحدود البرية والبحرية. ولقي أكثر من 600 شخص من المصنفين بالانتماء إلى عرق معيّن، بمن فيهم من الأطفال، مصرعهم عندما غرقت سفينتهم قبالة سواحل بيلوس في اليونان في حادثة واحدة فقط من هذا النوع، فيما تعرض مئات آخرون من أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا لصنوف الإساءة والعنف على مدى العام، في الوقت الذي ظلت فيه عمليات الإعادة القسرية والموجزة وغير المشروعة حدثًا يتكرر يوميًا على الحدود في مختلف أنحاء أوروبا.
وتقاعست المفوضية الأوروبية عن إعمال إجراءات خرق لوائحها ضد لاتفيا وليثوانيا بعد أن أدرجتا إمكانية الإعادة الفورية في صلب تشريعاتهما الوطنية. واستمرت ظاهرة الإفلات من العقاب لمرتكبي الانتهاكات على الحدود؛ فقد تقاعست إسبانيا عن إجراء تحقيق فعال بشأن ما شهده عام 2022 من حالات الوفاة، والتعذيب، والإبعاد غير القانوني بين مليلية والمغرب.
وأخفقت بعض البلدان الأوروبية في ضمان حقوق المواطنين الأفغان في التماس ملاذ آمن؛ ففي ألمانيا، لم يستفد سوى أقل من 100 شخص من المواطنين الأفغان من برنامج إنساني كان القصد منه إدخال 1,000 مواطن أفغاني إلى ألمانيا كل شهر. واتخذت كل من الدانمرك والسويد وفنلندا خطوات إيجابية لمنح الاعتراف بصورة بديهية بوضع اللاجئ للنساء والفتيات الأفغانيات.
وتعرّض اللاجئون والمهاجرون لاعتداءات في ألمانيا والجمهورية التشيكية وقبرص واليونان. وانخرط الكثير من السياسيين في خطاب تمييزي وعنصري يستهدف مجتمعات اللاجئين والمهاجرين، مثلما حدث في تركيا في سياق الانتخابات.
استمرت الدول الأوروبية في إبعاد عمليات مراقبة الحدود إلى خارج حدودها الإقليمية ضاربةً عرض الحائط بحقوق الإنسان؛ إذ سعت المزيد من البلدان إلى إبرام اتفاقات بشأن النظر في طلبات اللجوء خارج حدودها، مثلما فعلت إيطاليا مع ألبانيا، في حين مضى الاتحاد الأوروبي قدمًا في صفقة مع تونس تحمل في طياتها خطر انتهاك حقوق الإنسان. واستمر التعاون مع تركيا حيث أخضع الآلاف من الأشخاص للإعادة القسرية. أما في المملكة المتحدة، فبالرغم مما خسرته الحكومة من الطعون القضائية، فإنها بدت عازمة على تنفيذ خطتها التي تقضي بنقل طالبي اللجوء إلى رواندا للنظر في طلبات لجوئهم هناك.
يجب على الحكومات وضع حد لسياسات الإقصاء القائم على التصنيف العرقي؛ وبدلًا من ذلك، يجدر بها أن تتحقق من أن سياساتها وممارساتها تكفل حماية واحترام وإعمال حق اللاجئين والمهاجرين في الحياة، وإنشاء طرق آمنة وقانونية، وتعزيز حق الأشخاص في طلب اللجوء على الحدود.
حقوق النساء والفتيات
صادقت لاتفيا على اتفاقية مجلس أوروبا بشأن منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف الأسري، في حين عدلت مقدونيا الشمالية قوانينها لتصبح منسجمة مع أحكام المعاهدة. وأعلنت كرواتيا أن جريمة قتل الإناث سوف تصبح جريمة منفصلة؛ واعتمدت سويسرا تعريفًا للاغتصاب يستند إلى مبدأ التراضي، وأحرزت هولندا تقدمًا نحو اعتماد مثل هذا التعريف.
غير أن الكثير من البلدان سجلت أعدادًا مرتفعة لحالات العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات في ظل قصور الإجراءات التي اتخذتها الدولة للتصدي لها. ورصد المراقبون في إسبانيا وألبانيا وإيطاليا وتركيا وصربيا والنمسا واليونان العشرات، إن لم يكن المئات من حالات قتل الإناث. وأدى البث المباشر لجريمة قتل في البوسنة والهرسك إلى اندلاع المظاهرات، مثلما فعل توقيع عقوبة خفيفة على أحد الجناة في بلغاريا.
ودخل حيز التنفيذ في فنلندا قانون يبيح الإجهاض خلال الأسابيع الاثني عشر الأولى من الحمل، وأقرت إسبانيا مشروع قانون يبيح الإجهاض للفتيات البالغات من العمر 16 و17 عامًا بدون موافقة الأهل؛ غير أن عدة بلدان احتفظت بما تفرضه من قيود على الإجهاض. وفي بولندا، لقيت امرأة واحدة على الأقل حتفها بسبب حرمانها من خدمات الإجهاض. وفي أيرلندا، وأيرلندا الشمالية، وإيطاليا، وكرواتيا، كثيرًا ما استشهد العاملون في مجال الصحة ببنود الاستنكاف الضميري. وفي بعض المناطق النمساوية، استثنيت عمليات الإجهاض من نظام الرعاية الصحية، في حين امتنعت السلطات الصحية في الجمهورية التشيكية عن تقديم الرعاية لمواطني الاتحاد الأوروبي غير التشيكيين. وفي مالطا، تم تعديل القوانين التي تحظر الإجهاض، ولكن استمرت القيود الشديدة التي تحد من إمكانية الإجهاض. وكانت أندورا هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تفرض حظرًا كاملًا على الإجهاض.
يجب على الحكومات اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة كافة أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، ومعالجة أسبابه الجذرية.
الحق في الخصوصية
تبنت عدة مدن وكانتونات في سويسرا حظرًا على استخدام تقنية التعرف على الوجه في الأماكن العامة. ولكن في فرنسا صدر قانون جديد يبيح استخدام تقنية المراقبة البيومترية الجماعية خلال أولمبياد 2024.
وكشفت منظمة العفو الدولية النقاب عن أن تحالف إنتلكسا (Intellexa) للشركات سوّق برنامج بريديتور للتجسس الإلكتروني للكثير من البلدان، من بينها ألمانيا وسويسرا والنمسا؛ كما كشفت عن استخدام بريديتور ضد موقع إخباري في برلين، ومؤسسات أوروبية، وبعض الباحثين. وفي إسبانيا، استخدم برنامج بيغاسوس للتجسس الإلكتروني على ما لا يقل عن 65 شخصًا، معظمهم في كتالونيا.
الحق في محاكمة عادلة وتآكل استقلال القضاء
استمرت بولندا وتركيا والمجر في تقويض استقلال القضاء؛ فقد اتخذت المجر خطوات لتقليص سلطات القضاء؛ وفي بولندا، استهدفت الحكومة القضاة الذين ينتقدونها. وفي تركيا، رفضت محكمة النقض تنفيذ حكمٍ للمحكمة الدستورية، متهمة قضاتها بتجاوز صلاحياتهم.
يجب على الحكومات أن توقف الانزلاق إلى مجتمعات المراقبة، وتحترم الحق في محاكمة عادلة، وتضع حدًا لتآكل استقلال القضاء.
حرية التعبير
سجلت اعتداءات على الصحفيين في مختلف بلدان المنطقة. واستمرت تركيا في اعتقال الصحفيين واحتجازهم بتهم ملفقة تتعلق بالإرهاب.
ولجأ السياسيون والشركات إلى الدعاوى القضائية الاستراتيجية ضد المشاركة العامة بهدف تكميم أفواه الصحفيين أو النشطاء في بلغاريا وصربيا وكرواتيا ومقدونيا الشمالية والنمسا واليونان. وفي حين قامت جمهورية صربسكا في البوسنة والهرسك بتجريم التشهير، خفضت بلغاريا الغرامات المفروضة على مرتكبي جريمة التشهير بمسؤولين عموميين، واعتمدت كرواتيا خطة تهدف إلى الرد المبكر للدعاوى القضائية الاستراتيجية ضد المشاركة العامة.
وفيما عدا استثناءات قليلة، قامت دول المنطقة باقتراح أو اعتماد تدابير تستهدف فرض قيود مفرطة على التعبير عن آراء تنتقد حملة القصف الإسرائيلية في غزة، وتدافع عن الحقوق الإنسانية للفلسطينيين، بما في ذلك الآراء المنشورة على الإنترنت.
حرية التجمع
مع تفاقم حالة الطوارئ المناخية، تزايدت المظاهرات السلمية، مما دفع السلطات لاستخدام أساليب قاسية للتصدي لها. وتعرض المتظاهرون من أجل المناخ المشاركون في أعمال سلمية من العصيان المدني، للاعتقالات الجماعية، والملاحقات القضائية بتهمة التورط في جرائم قاسية، وحملات لتشويه سمعتهم.
وفرضت الكثير من البلدان قيودًا مفرطة على التجمعات؛ ففي هولندا، لجأت الشرطة إلى عمليات التحقق من الهوية بصورة غير مشروعة باعتبارها أداة لمراقبة المتظاهرين. وفي إيطاليا وصربيا وفرنسا وتركيا، إلى جانب بلدان أخرى، كثيرًا ما لجأت قوات إنفاذ القانون إلى الاستخدام غير القانوني للقوة، فضلًا عن ممارسة أساليب تنطوي على التمييز في حفظ الأمن.
وفرضت حكومات كثيرة قيودًا غير مشروعة على المظاهرات التي نظمت أو المزمع تنظيمها تضامنًا مع الفلسطينيين؛ ففي ألمانيا وبولندا وسويسرا وفرنسا والمجر والنمسا، وغيرها من البلدان، بادرت السلطات إلى منع تلك المظاهرات بصورة استباقية، متذرعة بأخطار مبهمة تهدد النظام العام أو الأمن الوطني. وكثيرًا ما استخدمت وسائل الإعلام والسياسيون خطابًا يجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم، ويبث صورًا نمطية عنصرية، ويخلط بين المسلمين والإرهابيين وكأنهم سواء.
وتذرّعت فرنسا بقوانين مكافحة الإرهاب لحظر المظاهرات السلمية، وقامت باعتقالات تعسفية. وأثناء مسيرات الفخر، فرضت الشرطة التركية حظرًا شاملًا على تلك المسيرات، واستخدمت القوة بلا ضرورة، واعتقلت 224 شخصًا. أما المملكة المتحدة، فقد أصدرت مشروع قانون يوسع من سلطات الشرطة، ويستحدث أوامر بمنع التظاهر، ويتيح استصدار أوامر قضائية مدنية.
حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها
واصلت فرنسا سعيها لحل عدة منظمات غير حكومية دون مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة. وكثّفت تركيا استخدام إجراءات التدقيق التطفلي في حسابات المنظمات غير الحكومية. وفي البوسنة والهرسك، أصدرت جمهورية صربسكا قانونًا يقضي بإنشاء سجل للمنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلًا من جهات أجنبية. وفي المجر، سنّت الحكومة قانونًا جديدًا يحد من التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية.
يجب حماية الحيز الذي يمارس فيه جميع الناس حقوقهم في حرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، وحرية التجمع السلمي، من تغوِّل الدولة عليه.
المدافعون عن حقوق الإنسان
كثيرًا ما وجد المدافعون عن حقوق الإنسان الذين يذودون عن حقوق النساء والمهاجرين أنفسهم هدفًا للقمع؛ ففي أندورا، فُرضت غرامات باهظة على إحدى الناشطات بعد انتقادها لحظر الإجهاض. وفي بولندا، حُكم على جوستينا ويدرزينسكا بأداء الخدمة المدنية لمدة ثمانية أشهر عقابًا لها على مساعدة امرأة في الحصول على حبوب الإجهاض. وفي اليونان، وُجِّه الاتهام إلى سارة مارديني وشون بايندر، وهما من المدافعين عن حقوق المهاجرين، بارتكاب أربع تهم جنائية. وحركت السلطات اللاتفية دعاوى جنائية ضد اثنين من المدافعين عن العمل الإنساني على حدود بيلاروس. وأيَّدت تركيا قرار إدانة عثمان كافالا، في تحدٍ للأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
يجب على الحكومات حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، والاعتراف بدورهم الحاسم، بدلًا من وصمهم بالعار وتجريم أنشطتهم.
التمييز العنصري
ظل التصنيف العرقي أمرًا شائعًا تمارسه أجهزة إنفاذ القانون؛ فقد أقر مجلس الدولة في فرنسا بممارسة الشرطة لعمليات التفتيش التمييزية ولكنه لم يقترح أي إجراء بهذا الشأن. وأدينت شرطة الحدود الهولندية بممارسة التصنيف العرقي. وفي المملكة المتحدة، أشار تقرير إلى التمييز المؤسسي في شرطة العاصمة لندن.
أشارت تقارير ألمانيا إلى ارتفاع معدلات جرائم الكراهية؛ ومرة أخرى، أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان البوسنة والهرسك بسبب القواعد الانتخابية التي تنطوي على التمييز. وفي لاتفيا وليتوانيا، فقد بعض المواطنين الروس تصاريح إقامتهم.
عانت طائفة الروما من التمييز والفصل والإقصاء الاجتماعي؛ وخلصت اللجنة الأوروبية للحقوق الاجتماعية إلى أن إيطاليا انتهكت حقوق أبناء طائفة الروما في السكن، في حين قضت محاكم سلوفاكيا بأن تخصيص فصول دراسية منفصلة لتلاميذ طائفة الروما ينطوي على التمييز ضدهم. وحققت الهيئة البلغارية المعنية بالمساواة في حرمان أبناء طائفة الروما من دخول أحواض السباحة. وفي مقدونيا الشمالية، توفي مريض من أفراد الروما بعد حرمانه من العلاج الطبي بسبب عدم حيازته لبطاقة هوية؛ وفي رومانيا، حرمت سيدة صماء حامل من طائفة الروما من الرعاية الطبية في أحد المستشفيات، واضطرت للولادة على قارعة الطريق.
وفي فرنسا، واجهت النساء المسلمات بوجه خاص قيودًا في الرياضة والتعليم. وبلغ الخطاب التمييزي المعادي للسامية والمسلمين وجرائم الكراهية ذروتها في مختلف بلدان المنطقة بالتزامن مع تتابع الأحداث المروعة في إسرائيل/الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي أعقاب الزلزالين اللذين ضربا تركيا في فبراير/شباط، أبدى مدنيون وجهات التابعة للدولة نقمتهم على المهاجرين واللاجئين الذين يساعدون في عمليات البحث والإنقاذ، وتعرّضوا لهم بإساءات عنصرية.
حقوق أفراد مجتمع الميم
اعترفت لاتفيا بالشراكات المدنية بين الأفراد، على خلاف ليتوانيا التي تقاعست عن ذلك. وأدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بلغاريا ورومانيا لعدم اعترافهما بالشركاء المثليين.
واستمر التمييز ضد أفراد مجتمع الميم؛ ففي كرواتيا ومقدونيا الشمالية، واجهت مسيرات الفخر تهديدات وخطابًا تمييزيًا من المسؤولين الحكوميين وعامة الناس على السواء. ووجدت الشرطة النرويجية أن الأماكن التي تعقد فيها اجتماعات مجتمع الميم تكون دائمًا عرضة لخطر الاعتداءات العنيفة. وفي تركيا، استخدم السياسيون الخطاب التمييزي ضد أفراد مجتمع الميم.
وعلى الرغم من أن المجر واجهت دعوى قضائية أمام محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي بسبب قانون الدعاية لديها، فقد فرضت السلطات غرامة على مكتبة عقابًا لها على مخالفة هذا القانون، ومنع مجلس الإعلام بث إعلان تلفزيوني حول الفخر. وأدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ليتوانيا بسبب الرقابة التي فرضتها على كتاب يصور العلاقات الجنسية المثلية.
وشهد القانون الخاص بالعابرين جنسيًا مزيجًا من التقدم والانتكاس؛ فقد ألغت ألمانيا الإقصاء القائم على التمييز للعابرين جنسيًا، وغيرهم من أفراد مجتمع الميم، عن التبرع بالدم. وناقش البرلمان قانون جديد لتحديد الشخص لنوعه الاجتماعي يمكِّن العابرين جنسيًا ولا ثنائيي النوع الاجتماعي وثنائيي الجنس من الحصول على الاعتراف القانوني بنوعهم الاجتماعي من خلال إعلان بسيط في مكتب السجل المدني. وفي فنلندا، أصبح مثل هذا الاعتراف متاحًا لمن يتقدم بطلب لذلك من البالغين. وفي إسبانيا، صدر قانون جديد يكفل الحصول على الخدمات الصحية وتحديد الشخص لنوعه الاجتماعي. غير أن بلغاريا أنهت الاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي للعابرين جنسيًا، ومنعت حكومة المملكة المتحدة صدور قانون إصلاح الاعتراف بالنوع الاجتماعي في إسكتلندا.
يجب على الحكومات التصدي بصورة مجدية للتمييز المؤسسي، بما في ذلك التمييز ضد اليهود والمسلمين، والسود، وطائفة الروما، ومجتمع الميم.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
في فنلندا، أعلنت الحكومة عن خطط لتخفيض الرعاية الصحية العامة، ورفع الأسعار والضرائب المفروضة على العقاقير، ما من شأنه أن يضر بأضعف الفئات على نحو غير متناسب. وقبلت اللجنة الاجتماعية الأوروبية شكوى ضد اليونان بشأن التخفيضات التقشفية في الرعاية الصحية. وأصدرت سلوفينيا قانونًا للرعاية طويلة الأجل، ولكنها واجهت نقصًا في الأطباء.
وأعلنت الدانمرك وفنلندا عن تخفيضات في المساعدة الاجتماعية. وشهدت أيرلندا والبرتغال وفرنسا مستويات غير مسبوقة من التشرد؛ واعتمدت إسبانيا قانونًا لحقوق السكن، ولكنها تقاعست عن توفير الحماية الاقتصادية للفئات الفقيرة من الإخلاء. وفي صربيا، أدى استحداث النظام الجديد شبه الآلي للرعاية الاجتماعية إلى حرمان أعداد ربما تقدر بالآلاف من الأشخاص من الوصول إلى المساعدة الاجتماعية الحيوية، وكان له أشد الضرر على طائفة الروما والأشخاص ذوي الإعاقة.
وكانت استجابة الحكومة التركية في أعقاب الزلزالين اللذين وقعا في فبراير/شباط قاصرة عن حماية الأشخاص ذوي الإعاقة.
يجب على الحكومات اتخاذ إجراءات فورية لضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لجميع الأشخاص، بلا تمييز، ومن سبل ذلك تخصيص موارد كافية، وضمان الحماية الاجتماعية العالمية والشاملة.
الحق في بيئة صحية
شهدت المنطقة خطوات إيجابية تمثلت في اعتراف حكومة قبرص بحق إحدى المنظمات غير الحكومية البيئية في رفع دعاوى تخدم المصلحة العامة، وفي الدعوى القضائية التي رفعتها منظمات غير حكومية في أيرلندا احتجاجًا على الإخفاق في تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بالقدر الكافي، وفي دعوى قضائية رفعها الشباب في البرتغال ضد 33 بلدًا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بسبب قصور ما اتخذته من إجراءات حيال تغير المناخ. واعترف مجلس أوروبا سياسيًا بالحق في بيئة صحية، ولكنه تقاعس عن اعتماد وثيقة قانونية ملزمة بشأن هذا الحق.
غير أن الكثير من الحكومات استمرت في استخدام الوقود الأحفوري؛ وكانت بلغاريا ورومانيا تخططان للتنقيب عن الغاز في البحر الأسود، وخططت اليونان وسلوفاكيا لبناء محطات للغاز الطبيعي المسيل، فيما أيدت مالطا مد خط أنابيب رئيسي للغاز، وقدمت النرويج حوافز ضريبية لحقول النفط والغاز، ووافقت ألمانيا على تقديم تمويل لمشاريع الوقود الأحفوري. وكانت البنوك الفرنسية من بين أكبر الممولين لاستخراج الوقود الأحفوري.
يجب على الحكومات التخلص التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري وإنتاجه من خلال عملية انتقالية عادلة. كما يجب عليها بصفة عاجلة رفع مستوى التمويل المناخي للبلدان الأقل دخلًا، والالتزام بتقديم تمويل إضافي مخصص للخسائر والأضرار.